نحن والمعاناة...
المعاناة في بلادنا ليست عفوية بل مفتعلة .. مفتعلة ومدروسة، وهي الأصعب، لأن صاحبها يكون قد أجرى دراسات علمية لطبيعة المجتمع وردود فعله المتوقعة، فيُحسن التصرف معها وتنتهي دون جدوى، وهذا يطيل من أمد الأزمة.
ولعلّ أبرز اخطائنا التي نقع فيها وعلينا أن تتجاوزها:
١- أننا حينما نشكو ما ألمّ بنا نشتاق لماضينا القريب (المؤلم أيضا) وهذا يمنعنا من التفكير في المستقبل، ويجعل من المفسدين السابقين رموزا وطنية مقارنة بالموجودين (سذاجة وغباء).
٭ وإنما مثلنا في ذلك مثل الكلب الذي يقيئ ثم يعود في قيئه.
إن كل صوتٍ قبيح يحاول تزيين الماضي الأليم هو جزء من إدارة الأزمة -بقصد أو بغير قصد- علينا أن لاننساق إليه ونحذر منه.
٢- ننسى خصومنا الأساسيين ونلهث خلف مطالب جانبية طويلة وكثيرة تشتت جهدنا وتفرق رأينا، وتزيد متاعبنا ومشاكلنا ثم نرضى بالعودة لماضينا الذي كنا نأنفه ولانرضاه!!
٭ وإنما مثلنا في ذلك الإخوة الذين اشتكوا من وجود الحمار في داخل بيتهم واختلفوا فيما بينهم، فاحتكموا إلى جارهم الذي أدخل عليهم عليهم البقرة والثور الديك والدجاج علّه يخفف عنهم بعضا من أثر الحمار!!
فاشتد حالهم وزاد اختلافهم، فأشار عليهم اخرجوا الثور والبقرة والديك والدجاج ففشعروا بالأمان والراحة، ونسوا قضيتهم الأساسية (الحمار).
إن الأزمة كل متكامل لن تنتهي فلنواجهها جملة واحدة لا مجزأة.
٣.نضيع الفرص التي ربما لن تتكرر.
وإنما مثلنا مثل الفلاح الذي كان جمع عددا من الفئران في المصيدة ووضعها في كيس وكان يقلب الكيس كي لا تستقر الفئران وتشعر بالأمان، مما يمنعها من قضم الكيس والتفكير في الهروب، وحينما يتعب يضع الكيس قليلا فكانت الفئران تنشغل بالدوار الذي أصابها.
رغم المعاناة وشظف العيش يجب أن تتماسك ولا يتسلل اليأس إلى نفوسنا ولا يصيبنا الإحباط، إنما النصر مع الصبر، وإذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام.
٤.طغت الأنانية لدى كثير من المؤثرين.
وإنما مثلنا مثل قَومٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سفينةٍ، فصارَ بعضُهم أعلاهَا، وبعضُهم أسفلَها، وكانَ الذينَ في أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الماءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا في نَصيبِنا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا. فَإِنْ تَرَكُوهُمْ وَمَا أَرادُوا هَلكُوا جَمِيعًا، وإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِم نَجَوْا ونَجَوْا جَمِيعًا.
يخرقون السفينة ولا يبالون بعواقب صنعيهم وسوء تفكيرهم، المنافقون في المجتمعات هم أشد الناس ضررا وفتكا، الذين يدورون مع مصالحهم حيث دارت، (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم، هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنّى يؤفكون).
وما أكثرهم اليوم الذين يروجون للمفسدين (أشخاصا وجماعات) بحثا عن مصالحهم الخاصة، ولا يشعرون حجم الجُرم الذي يرتكبونه بحق أهلهم ومجتمعهم فهم بذلك يطيلون الأزمة، يبيعون ضمائرهم بدراهم معدودات، ويساهمون في التهيئة للمراحل المختلفة خلال الأزمة باختلاف الأشخاص والمكونات وبقاء المعاناة، المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، وليس منّا من لم يشعر بمعاناتنا ويتألم لألمنا، قاطعوا صفحاتهم ومجالستهم، لا يغرنّكم تبريراتهم وحسن كلامهم.