الرقية والدواء بين الحق والباطل
يتسلل في مجتمعنا اليوم البعض ممن يدّعون العلم الشرعي والمعالجة بالرقية إلى حياة الناس، مستغلين حاجتهم للشفاء والراحة الروحية والجسدية، فيمارسون الدجل باسم الدين، فيخسر الناس أموالهم وأحيانا حياتهم. هذه الظاهرة المؤسفة أصبحت تهدد ثقة المجتمع بالدين والعلم، وتستدعي وقفة جماعية عاجلة.
الرقية الشرعية الصحيحة هي ما ورد عن النبي ﷺ، بالآيات القرآنية، وأسماء الله وصفاته، والأدعية الصحيحة. وهي عبادة ودعاء، وليست ساحة للعنف أو مسرحا للكسب غير المشروع. القرآن الكريم نفسه جاء شفاء ورحمة للقلوب: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾.
للأسف! هناك من يفتح مراكز للرقية أو العلاج بالأعشاب دون علم ولا خبرة، معتقدا أن حفظه بعض الآيات يكفي ليكون "معالجاً". وتظهر الانحرافات في صور متعددة: الإيذاء الجسدي للمريض بحجة إخراج الجن، استغلال النساء، بيع خلطات وأدوية مغشوشة تحت غطاء الدين، أو وصف علاجات كيميائية خطيرة دون إشراف طبي، ما يعرض الناس لأضرار جسدية ونفسية بالغة.
من أكبر أسباب الوقوع في فخ الدجالين، عدم الصبر على العلاج الطبي المنظم، وطلب حلول سريعة أو خارقة. بعض الناس يظن أن عند الرقاة أو بائعي الأعشاب علاجا فوريا، فيقعون ضحايا للوهم. الصبر على البلاء أساس من أصول الإيمان: ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ﴾، والدواء يحتاج وقتا ومتابعة دقيقة.
يؤدي الاحتيال باسم الرقية إلى ضياع الثقة بالدين والعلم، وتأخر المرضى عن العلاج الصحيح، وتفاقم الوصمة تجاه الطب النفسي، ما يجعل المرضى يلجؤون إلى طرق وهمية تعقد حالتهم. كما يضر المجتمع كله، حين تُستغل المظاهر الدينية لأغراض شخصية وتجارية على حساب صحة الناس وأرواحهم.
وهنا لا بد أن توجد المسؤولية الجماعية لمواجهة الظاهرة؛ فالحكومة دورها وضع ضوابط وتنظيم العمل الدعوي والعلاجي، ومراقبة المراكز لمنع استغلال الناس. والعلماء دورهم التوضيح والتبيين، وفضح الدجالين، نشر الثقافة الصحيحة. والمجتمع دوره رفع الوعي، حماية الضعفاء، عدم الانخداع بالمظاهر، والتأكيد على الجمع بين العلاج الشرعي والدواء المشروع.
ويجب التمييز بين الرقية الشرعية الصحيحة والدجل والشعوذة، وجمع التداوي المشروع بالدعاء والذكر، والصبر على البلاء والمرض، مع الاحتساب عند الله. والتمسك بالعلم الصحيح في الدين والدنيا هو الحصن ضد الانخداع بالمظاهر والخدع الوهمية.
في النهاية، حماية الدين والأرواح مسؤولية الجميع؛ فلا مجال للسكوت أمام من يعبث باسم القرآن أو يدعي الشفاء بالطرق غير الشرعية. والمجتمع الواعي هو الذي يحمي نفسه وأفراده، ويصون الثقة بالعلم والدين معا.
وأدام الله سلامة الجميع وصحتهم!