قشور البطيخ ثروة غذائية تُرمى كل يوم!
في هذه الأيام يكتسح البطيخ الأسواق الشعبية في أبين ومختلف محافظات اليمن، ممتدا بلونه الأحمر الزاهي على عربات الباعة وفي أيدي الصغار، مبهجا في حضوره، خفيفا على الجيوب، ومرحبا به على الموائد في ظل واقع معيشي ضاغط. ومع كل شريحة بطيخ تُؤكل، ومع كل ابتسامة طفل تُرسم، هناك جانب خفي يُرمى يوميا دون اكتراث، رغم غناه وفائدته: اللب الأبيض والبذور.
إنه مشهد يتكرر في كل بيت وسوق: تُرمى القشرة، ومعها الطبقة البيضاء الغنية، والبذور الممتلئة بالقيمة الغذائي، بينما يُحتفى بالجزء الأحمر وحده. والحق أن هذا الجزء المهمل ليس نفاية كما توارثنا؛ بل كنز صحي حقيقي يُمكن أن يسد نقصا غذائيا، ويُغني مائدة الفقير، ويمنح الجسم ما لا تمنحه بعض الأغذية باهظة الثمن.
اللب الأبيض للبطيخ، تلك الطبقة الواقعة بين القشرة الخضراء واللب الأحمر، غني بالماء والألياف والمغذيات. يمكن استخدامه في صناعة العصائر، السلطات، المخللات؛ بل وحتى في صنع مربى لذيذ، يمنح الأسرة نكهة جديدة وفائدة صحية، بتكلفة لا تُذكر. فما نرميه اليوم، قد يكون غذاءً أو دواءً في الغد.
أما البذور، فهي وحدها فصل آخر من الفائدة المنسية. تُعد من أغنى مصادر البروتين النباتي، والمغنيسيوم، والزنك. يمكن تجفيفها وتحميصها وأكل لبها كوجبة خفيفة للأطفال، أو طحن لبها وإضافته للمخبوزات؛ بل يمكن استخراج زيت منها يُستخدم في التغذية والعناية بالبشرة. فألسنا أولى بالاستفادة من هذا الخير الذي نرميه بأيدينا؟
إن الاستفادة الكاملة من البطيخ لا تتعلق فقط بالاقتصاد؛ بل هي وعي ومسؤولية. ففي ظل الغلاء، من الحكمة أن نحسن استثمار ما هو متاح. وهذا لا يتطلب سوى قليل من المعرفة وكثير من النية.
ولمن يقول إن الطعم لا يرضيه، فليعلم أن الذوق يُعوّد، وأن القيمة أحيانا تتفوق على النكهة. ولننظر إلى من سبقونا في فقرهم وحكمتهم، كيف كانوا لا يرمون شيئا صالحا؛ بل يصنعون من البسيط حياة عامرة بالقناعة والإبداع.
في زمن يضيق فيه العيش وتتسع الحاجة، لنعِد النظر في عاداتنا. فربما كان في قشور البطيخ ما يُغنينا، وفي بذوره ما يُقوّينا، وفي لبه الأبيض ما يروي الجائعين بصمت.
فلنجعل من البطيخ مدرسةً في الاقتصاد، ومثالا في حسن التدبير. لنجعل من كل حبة نشتريها فرصةً لتغذية أجسامنا، وتوسيع وعينا، ومقاومة الهدر الذي لا يليق بنا كأمة عرفت القناعة، وأدركت قيمة النعمة.
والله تعالى أعلم!
ودامت سلامة الجميع!