الاختلاف والتعايش
كتب : حسين أحمد الكلدي
رغم الاختلاف يجب ان نتعايش في هذا العالم ونظل مختلفين، قال تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ (هود: 118-119). وعلى ضوء هذا التعايش والاختلاف، تبرز الاختلافات الجوهرية، التي يعَدّ في جوهرها أساسًا للتكاتف والتعاضد مع الآخرين. فالاختلاف في المعتقدات والثقافات والاختلافات الذهنية والعاطفية والنفسية بين الناس صحية بطبيعتها. ويقال في المثل: "الاختلاف لا يفسد للود قضية".وهذا يعني بناء مجتمع يتناغم مع بعضه رغم الاختلافات ومن الاهم الحفاظ على المبادئ الاساسية في ضمان العدل والحقوق للجميع . وهذا يعزز مفهوم المساواة والاستقرار والتقدم ولذا نجد الاختلاف قائمًا بين الناس لأنهم يرون العالم كما يشاؤون، لا كما هو على حقيقته. فإذا رأيته على حقيقته، فما وجه الاختلاف الذي سيدفعني للاهتمام بأمر شخص آخر خارج عن مسار فكري؟ في هذه الحالة يصبح منظوري موضوعيًا، وبهذا الفكر لا أستطيع أن أكون مستقلاً فعالًا، بل سأظل محدودًا بالمنظور الذي تكيفت عليه. غير أن هذا الشخص الفعال المختلف عني ـ يتمتع بالتواضع والاحترام والتقدير، ومن خلال ذلك يدرك حدوده الواضحة ويستطيع أن يتفاعل مع عقول وقلوب الآخرين. وهذه ميزة عظيمة للاختلافات . إذ إنها تضيف للإنسان قيمة بمعرفته ومفهومه للحياة. ولهذا علينا أن نُقدِّر بعضنا بعضًا، وأن ندرك أن الاختلافات قد تعني أن كلينا على صواب، رغم اختلاف الرؤى . و أن الحياة ليست مليئة بالانقسامات. بل يجب أن نُدرِك أن هناك بديلًا ثالثًا، وبدونه لن نتجاوز ذلك التكيّف الضيق في الحياة. وعندما ترى أنت الصورة مختلفة عمّا أراه، فذلك يُعَدّ ظاهرة صحية، وبهذا أُقدّرك واقدر اختلاف وجهة نظرك ، فإذا كان شخصان يعتنقان الرأي نفسه، فإن أحد الرأيين سيكون غير ضروري. إن ما يهمني هو أن ترى الأمر بصورة مختلفة عن ما اراه . فوجهة نظري أن التواصل مع من يختلف معي في الرأي هو الأفضل، وأنا أُقدّر ذلك الاختلاف. فهذا لن يزيدني وعيًا فحسب، بل يجعلني أُقِرّ بصدقك. فالدفاع عن رأيك أو عن نفسك وموقفك يخلق بيئة إيجابية يسودها التكاتف والإبداع. ولهذا أستشعر دومًا أهمية تقدير الاختلاف. ونحن في هذه الحياة جميعًا أفكارنا مختلفة، وتطوراتنا وتعاملاتنا ونشاطاتنا مختلفة. ولولا هذه الاختلافات، لما توصلنا إلى هذه التطورات والإبداعات في مختلف مجالات الحياة. لقد منحنا الله سبحانه وتعالى نعمة الاختلاف وحرية التفكير والرأي حتى الطريقة التي يعيش بها كل واحد منا على هذه الأرض. فقد جعلنا مختلفين في الشكل واللون والبصمات، والمشاعر، والقدرات. فهل من المنطق أن يختلف شخصان ويكون كلاهما على صواب؟ أعتقد أن هذا غير منطقي. ومع ذلك، فإن الاختلاف في الرأي والمشاعر والفكر وطريقة التعامل، بكل ما فيه من تنوع، هو سنة من سنن الحياة. التي فطرنا الله عليها ولهذا يجب أن نتعايش، وأن نمنح مساحة لاحتمال أن نكون كلانا على صواب.ولهذا يجب ان ننظر بعين الاعتبار لقيمة الاختلاف مع الآخرين.
5/9/2025