متى سيصرف راتب الأستاذ أحمد وبقية زملائه؟!

في أحد أحياء مدينة لودر الهادئة، يجلس "أحمد"، موظف حكومي وأب لأربعة أطفال، اعتاد الجلوس أمام بيته المتواضع، يتأمل الشارع الخالي من كل شيء إلا من هموم الناس، التقيت به بعد انقطاع بيننا وتبادلنا أطراف الحديث وعن رداءة الوضع المعيشي للموظفين العاملين في القطاعين المدني والعسكري على السواء، ورأيت كمية البؤس والشقاء عليه وهو يشكي الحال.

في كل صباح يستيقظ أحمد باكرًا، يرتدي ملابسه المتهالكة ويذهب إلى عمله معلم بإحدى المدارس القريبة منه، ليس بدافع الحماس، بل بدافع الواجب وبقلب مثقل بالديون والهموم، وعيون أطفاله التي لا تعرف أن المرتب تأخر، لكنها تعرف أن الحذاء تمزق، والمعدة فارغة، والمدارس تحتاج كراريس ومستلزمات دراسية، وأن البيت يحتاج إلى طحين وزيت.

"ثلاثة أشهر بلا راتب"، هكذا قالها الأستاذ أحمد "الحزين المنكسر"، وكأنها لعنته اليومية أمام أم أولاده، لم يعد الأمر مجرد تأخير إداري أو خلل فني كما يُقال، بل أصبح عنوانًا للفقر القسري وللإهانة اليومية، لوجع لا يشعر به إلا من بات منزله فارغًا، وتقاطر على منزله أصحاب سجلات الديون ينتظرون راتب الأستاذ "أحمد" بفارغ الصبر أكثر من انتظار أحمد له.

قصة أحمد ليست استثناءً، بل هي صورة متكررة في كل بيت يمني يعيش على الراتب، وليس لديه مصدر رزق آخر، الموظفون يتنقلون بين مكاتب الوعود الزائفة، وقلوبهم تنزف من غلاء المعيشة، وارتفاع الأسعار، وانعدام الرحمة من تجار لا يعرفون أن المرتب تأخر، لكنهم يعرفون كيف يضاعفون الفاتورة فقط.

يقول لي أحمد: لم يبق شيء ثمين بحوزتي إلا وبعته!! ليست هذه الصورة حكرًا على أحمد، حتى جاره باع آثاث بيته وأدوات مطبخه، وأردف قائلًا وقد اغرورقت عيناه بالدمع أن هناك أناسًا آخرين يعرفهم طرقوا كل الأبواب وباعوا كل ما تبقى من كرامتهم على أبواب التجار والمانحين ومكاتب المنظمات حتى يتحصلوا على خمسة كيلو طحين ومثلها سكر.!.
أصبح المرتب حلمًا مؤجلًا وكأن من حق الموظف أن يعمل لا ليعيش، بل ليبقى حيًا بالكاد.

 في كل يوم وفي كل شهر تأخير للمرتبات هناك أم تبكي في صمت تنتظر الراتب لشراء دواء لها ولولدها، وأب يتحسر على عجزه وكيف أفرغ كل قوته خدمة لوطن لا يهتم لأجله، وطفل يسأل عن راتب والده لشراء طعام وأدوات مدرسية.
المعاناة تكبر ولا تحتاج أرقامًا ولا تقارير دولية، يكفي أن تنظر في عيون الناس لتفهم أن المرتب ليس مجرد مبلغ مالي تتكرم الدولة بصرفه نهاية الشهر، بل هو طوق نجاة لكرامة مهددة، لحياة تُدفع كل يوم نحو الحافة.

ليبق التساؤل متى ستصرف الرواتب فالجميع مل الانتظار،  "الموظف" كان قدره مكتوبًا على جبينه بأن لا يتلذذ بتحسن الصرف الذي طرأ أخيرًا على العملة، لكي يحرم من تلمس ذلك ويقبض راتبه لشراء حاجياته، أخيراً 
أتمنى أن تحل مشكلة الرواتب في أسرع وقت ممكن وأن يكرم الموظف على صبره لحكومة لا تعير لموظفيها أدنى اهتمام.