الشهيد الشيخ محسن صالح الرشيدي… رجل المواقف والإنسانية الذي تفتقده اليوم قلوب أبناء الجنوب
ليس الغياب مجرد رحيل، بل فراغ لا تملؤه الأيام مهما طال امتدادها. هكذا كان أثر فقدان الشهيد المغدور الشيخ محسن صالح الرشيدي اليافعي؛ رجل اتّسع عطاؤه ليشمل الجميع، وتجاوز كرمه حدود منطقته ليصبح مثالاً نبيلاً عرفه القاصي والداني.
كان شيخاً لا يشبه أحداً… ثابتاً في مواقفه، حاضراً في أصعب المنعطفات حين يغيب تجار المصالح، وصوتاً للحق في السلم والحرب.
منذ انطلاقة الحراك الجنوبي عام 2007، كان الشهيد الرشيدي أحد أعمدته الأصيلة؛ دعم المظاهرات والمهرجانات من ماله الخاص، ووقف خلف الجبهات بالمؤن والمحروقات، وظل الممول الذي لا ينتظر شكراً ولا يبحث عن مكاسب. إنه الرجل الذي قلّ أن تجود الأمهات بمثله، ولن يكرر التاريخ سيرته بسهولة.
يا شهيد الجنوب… لم نكتب عنك من فراغ الانفعال أو ترف المديح، بل لأن إنكار المعروف جريمة أخلاقية لا تليق بما قدمته للوطن. كنت نوراً في ليالي النضال المظلمة: في جبل العر، الضالع، الحبيلين، وردفان وغيرها من محطات المواجهة. كنت السند للمقاتلين، والداعم للساحات، وصوتاً للثبات حين كانت الأيام أقسى ما تكون.
أما في ميادين العمل الإنساني، فقد كنت وحدك مؤسّسة خير متكاملة:
دعمت الجرحى، وموّلت علاجهم داخل الوطن وخارجه، ولم تميّز يوماً بين محافظات أو مناطق. عدن، لحج، الضالع، أبين، شبوة، حضرموت، المهرة… كلها كانت بالنسبة لك جنوباً واحداً وإنساناً واحداً.
كل ذلك العطاء لم يشفع لك عند أيدي الغدر التي نصبت كمينها الآثم، فارتقى روحك الطاهرة مع نجلك علي محسن واثنين من مرافقيك في واحدة من أبشع الجرائم التي استهدفت الشرفاء والمناضلين، وهدفت إلى ضرب الحركة التجارية والاستثمارية، ووأد نهضة الجنوب التي ساهمت في بنائها.
يكفي أنك أسست سوق المحمل التجاري في يافع ليكون واحداً من أكبر المشاريع الاقتصادية في الجنوب.
أثق يا شيخ محسن أن رصاصة الغدر لم تقتلك وحدها، بل قتلك الألم حين أدركت هوية من باع ضميره ووجّه سلاحه نحو رجلٍ أحب الجميع ولم يعرف التمييز ولا الكراهية.
يا للأسى… ويا لجسامة الخذلان.
كم كنت أتمنى أن تكون اليوم بيننا، لترى ثمار جهودك وقد أصبحت قوات الجنوب بثباتها وحضورها في كل شبر من أرض الوطن، وصولاً إلى حضرموت والمهرة.
وكم تمنّيت أن أراك في منصب يليق بتاريخك، وبحجم عطائك، وبقلبك الذي أحب الجنوب بلا حدود… لكن الله اختار لك ما هو أكرم وأبقى.
وداعاً أيها الفارس الجسور.
عشت شامخاً، ومت شهيداً، وبقي اسمك رمزاً للوفاء والرجولة والمواقف الصادقة.
السلام لروحك الطاهرة، وإلى جنات الخلد بإذن الله.
إنا لله وإنا إليه راجعون.


