شهادة عفاش، والذين لا يريدون أن يفهموا
حين اعترف علي عبدالله صالح ـ قبل رحيله ـ بأن المنطقة العسكرية الأولى في وادي حضرموت كانت، عمليًا، تحت إمرة الحوثيين، لم يكن يقدم كشفًا سريًا ولا فضيحة الموسم؛ كان فقط يضع النقاط على الحروف التي يهرب منها كثيرون. كانت شهادة رجل يعرف تفاصيل غرف العمليات، ويعرف بالاسم من كان يتلقى التعليمات ومن كان يقدّم الولاء.
ومع ذلك، رغم وضوح الشهادة ووضوح الواقع، يظهر اليوم من يصرّ على أن هذه الحقيقة لا تعنيه. فهؤلاء يعتبرون خروج المنطقة العسكرية الأولى من الوادي جريمة لا تُغتفر، بينما يرفعون صوتهم عاليًا بأنهم يريدون “تحرير صنعاء”.
أي منطق هذا؟
وكيف يجتمع شعار "سنحرر صنعاء" مع الدفاع المستميت عن قواتٍ ثبت ارتباطها بالحوثي بشهادة قائدها الأعلى؟
الأيام نفسها قدّمت برهانًا جديدًا، ودليلا لا يمكن إنكاره، بل لا يحتاج إلى تحليل طويل.
فاليوم، شُيّع في صنعاء الضابط محمد محسن العياني، أحد قادة المنطقة العسكرية الأولى، بعد أسبوع من إصابته في مواجهات سيئون أمام بطولات القوات الجنوبية.
قائد في المنطقة العسكرية الأولى يُصاب في سيئون، ويُنقل للعلاج إلى صنعاء، ويدفن هناك.
هل بعد هذا يبقى مجال للإنكار؟
أليس هذا وحده كافيًا ليفهم الجميع من كان يوجّه ومن كان يحتضن هذه القوات؟
هل يحتاج العقل السوي إلى شهادة أكثر وضوحًا من جنازة عسكرية خرجت من قلب صنعاء، لتودّع رجلًا كان يفترض ـ نظريًا ـ أنه في عداد “الشرعية”؟
هذا مجرد مثال واحد، لكنه كفيل بأن ينسف كل الحجج التي بنتها الأطراف المرتبكة.
التناقض الفاضح
إذا كانوا يريدون فعلاً مواجهة الحوثي، فليُجيبوا:
لماذا استكثروا على الجنوبيين أن يطردوا أدوات الحوثي من أرضهم؟
لماذا تحوّل تحرير الوادي إلى “خط أحمر”، بينما تحرير صنعاء مجرد عنوان للاستجداء السياسي أمام التحالف؟
المنطق العسكري يقول إن أي مواجهة مع الحوثي تبدأ بحماية ظهر الجنوب.
أما المنطق السياسي، فيقول إن “الغضب” من خروج المنطقة الأولى ليس حبًا في الشرعية، بل خوفًا من سقوط آخر معاقل النفوذ الحزبي في الوادي.
معادلة الجنوب الواضحة
الجنوبيون لم يخرجوا المنطقة الأولى لأنها شمالية، بل لأنها غير وطنية.
ولأنها ـ حين كانت البلاد تحترق ـ لم تطلق رصاصة على الحوثي، بينما نشّطت سلاحها فقط عندما تعلق الأمر بإرباك الجنوب وعرقلة أمنه.
المواجهة الحقيقية تبدأ من الجنوب
من يفهم طبيعة الحرب يعرف أن الحوثي لا يُقاتَل بالشعارات، بل بتأمين الأرض وتحصين الجبهات.
ولا يمكن لمنطقة تحت تأثير الحوثي أن تبقى على بوابة حضرموت ثم يقال للناس: “سنحرر صنعاء”.
الخلاصة:
من يرفض خروج المنطقة الأولى، رغم شهادة عفاش وجنازة العياني في صنعاء، لا يريد تحرير صنعاء، بل يريد إبقاء الجنوب مكشوفًا، ومعلقًا في انتظار طعنة أخرى.
أما الجنوبيون فقد عرفوا القاعدة جيدًا:
لا تُحارب الحوثي وظهرك مثقوب، ولا تحمي وطنًا بمن يشيّعون قادتهم في صنعاء الحوثية.
علي سيقلي
الجمعة 12 ديسمبر 2025م


