مشعجل .. نشكو القسوة لمن بعد ليلة رحيلك !!
إن كان دمع العين بيشفي الصوب لا تبخلي بالدمع يا عين صبي.." ولا تكفكفي دموعك على رحيل الصوت الطروب واللحن الشجي، والإحساس المرهف، والذوق الرفيع جدًّا جدًّا فنًا ولحنًا وأخلاقًا.
ذلك هو الفنان محمد مشعجل -رحمه الله وتغمده بواسع رحمته - وذاك هو لسان حال محبيه وجمهوره العريض من المحيط الى الخليج ليلة رحيل عازف همومهم وأوجاعهم والمعبّر عنها بريشته وصوته الشجي وألحانه العذبة، والذي شق له طريقًا خاصًا منذ الانطلاقة الأولى مسنودًا بشعبية جارفة من الجمهور وكأنهم فعلًا (انتظروا سنين) لظهور حالة وظاهرة محمد مشعجل الفريدة.
فقد كان صوتًا يشنّف الأسماع ولحنًا يعْزف الأوجاع ويترّجم المشاعر، وكأنه (أمنية لروح) كل مستمع، فمن الصعب ينساه جمهوره من الكادحين والبسطاء والمبعدين قسرًا عن ديارهم، كذلك هو الحال لمختلف أطياف المجتمع وقد أجمعوا عليه؛ لأنه متفردُ في طبعه وذوقه وفنه.
لذلك أيها المشعجل لن تطح من أعين جمهورك لأنك (لم يخنهم قط)، فتربعت عروش قلوبهم في أعلى محل، و(سكنت أرواحهم) حتى تقاسموا معك (أسرار الليل)، و(سمروا مع الهواجس والنجوم) منذ (أول لقاء) حين (طاب لقيامهم) معك، وكنت بلسمًا لكل ما (بهم من جروح) و(المداوي) لهم و(الطبيب المعالج) لهمومهم، و(يعلم الله بما قد صاب أحوالهم) وهل ستُبرى جراحهم بعد رحيلك؟!
وحين رحلت عن دنياك الفانية غادر الأنس من عيون محبيك، واختفت من وجوهم الابتسامة والخاطر بات حزينًا على فراق الطيبين أمثالك، ولكن ستبقى لك في قلوب (أعزّ الأحباب) ذكرى .. ذكرى حزينة ستظل محفورة صوّتًا وفنًّا وحضورًا.
فالبعد بين المحبين - كما غنيت - مواجع وحيرة، وسيطول انتظار محبيك وعيونهم تناظر لمن سيخلفك بعد شدّ الرحال، وستمر الليالي وهم يرونك بعيون مسامعهم، وحتمًا سيهزّون فناجينهم من (قهوة الليل) بدون صوتك ونغمك.
فهل ستبْخل (يا نسيم الليل) على محبي صوت مشعجل بنسناسك، وتعّجز (يا هبوب العصر) عن حمل ألحان ونغم ريشته، لتجْمح بنا معها (ريح الجنوب) في حدود خيالاته التي رسمها لنا في فضاء ابداعه؟!
فأولئك الذين لم يعزموا شورهم على نسيانك لن (تُجبر كسورهم)، ولن يجمعوا ما نثروه لك من شعور، وما أحاطوه بك من مشاعر، ومنهم من يردد: (خسارة ليش) ترحل يا مشعجل، (ما هو سواء منك تعذبنا ليلة رحيلك ولا ندري نشكو القسوة لمن يا (برق الجزيرة) ونجمها؟
ولعلي كنت من عشاق أغانيك وقبل خبر رحليك كنت منسجمًا مع (يا مداوي جرح قلبي)، وقبلها استعرضت (شاشة خيالي)، وحلقت مع (رياح الشرق)، وقبيل أن أسبح بفكري مع مفردات (بن سلمان)؛ تلقيت خبر رحيلك من صديقي "أبو سلمان"؛ وكان فعلًا، "الخبر اللي سمعته يحرق القلب والجوف".
حينها تمنيت وتمنى كثيرون غيري أن (الخبر عنكم تأخر قليل)، أو أن (لمنافذ المنايا عسكر)، لكن هيهات؛ فقد استدركت حالًا أن (العمر يُفنى من بعد مدة وللموت توجد أسباب عدة)، ولن يبقى سوى وجه ربك ذو الجلال والإكرام سبحانه وتعالى.
ولا يسعنا إلّا أن نقول: رحم الله الفنان محمد مشعجل وغفر له ولنا ما تقدم وما تأخر من ذنوب، وخالص العزاء لكل أفراد أسرته، وجمهوره، ورفاق دربه من شعراء المهرة الذين أثروا الساحة الفنيّة بروائع أعمالهم وقصائدهم المعبّرة التي طرزّها المشعجل ولوّنها بأجمل ألحانه وريشة إبداعه وصدق إحساسه، وأضاف إليها ثقافة محافظته ولغتها وتراثها العريق.