فيما يعتبر ذكرى ليوم تأسيسه: كيان الإصلاح.. بقايا الظل من ركب رحل.
تحل ذكرى تأسيس ما يسمى بـ(التجمع اليمني للإصلاح) وسط ضجيج إعلامي مفتعل من بقايا أنصاره وسائل إعلام له في الخارج، لا يعكس سوى محاولة يائسة بائسة للقول بأن هذا الكيان مازال موجودا، وسيعاد ترديد شعارات عن (دوره الوطني) و(حمايته للوطن ومنجزاته)، وكلام من هذا القبيل. لكنها في حقيقتها مجرد أصوات تُخفي خلفها تاريخا مثقلا بالانكسار والخيبات.
لم تشهد المنطقة الجغرافية والمسماه سياسيا بالجمهورية اليمنية منذ تأسيسها في بداية التسعينات، أو حتى المنطقة بشكل عام عبر تاريخها الحديث كيانا سياسيا أسهم بشكل سلبي في مصيرها كما فعل (التجمع اليمني للإصلاح)، الذي يعد الوجه السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن. هذا التجمع لم يكن مجرد كيان سياسي عابر، بل تحول منذ ظهوره إلى مصدر للاضطرابات والنكبات السياسية، مما أثر بشكل بالغ على مستقبل البلاد وأمنها واستقرارها.
منذ نشأته، كان الإصلاح كيانًا معقدًا يجمع بين التوجه الأيديولوجي للإخوان المسلمين وبين شيوخ القبائل التقليديين، إضافة إلى أصحاب المصالح والوصوليين الذين استغلوا المناخ السياسي لتعزيز نفوذهم الشخصي. هذا الخليط المتناقض أتاح له استغلال السياسة لصالحه، حيث برع في تحقيق مصالحه دون اعتبار لمصلحة اليمن وشعبه.
الجنوب اليمني كان من أول المناطق التي ذاقت ويلات الإصلاح منذ ظهوره في التسعينات. القيادات الجنوبية، التي كانت قد خرجت من نزاعات سابقة بعد الوحدة اليمنية، وجدت نفسها مجددا أمام عدو جديد لكن هذه المرة كان يرتدي عباءة الإسلام السياسي. الإصلاح، الذي ضم في صفوفه قيادات شاركت في الحرب الأفغانية، لم يتوان عن استخدام العنف لتصفية خصومه السياسيين. ولم تسلم كوادر جنوبية عديدة من هذه العصابات، وكان مصيرها غالبًا الاغتيال أو التصفية، ما خلق حالة من الرعب والاضطراب في الجنوب، الذي لا تزال جراحه مفتوحة حتى اليوم.
في الشمال، لم يكن الإصلاح أقل تأثيرا سلبيا. في عام 2011، ومع اشتعال ثورة الشباب ضد حكم علي عبدالله صالح، وجد الإصلاح في هذه الأحداث فرصة سانحة للسيطرة على الثورة. بدلا من ترك الثورة لتكون تمثيلا حقيقيا لطموحات الشباب اليمني، اغتصبها الإصلاح وسخرها لأجندته الخاصة. هذا التدخل أدى إلى فوضى سياسية عارمة، حيث فقدت الثورة جوهرها وتحولت إلى صراع على السلطة، مما أتاح للأوضاع أن تخرج عن السيطرة وأدى إلى انهيار مؤسسات الدولة ودخول البلاد في دوامة من الحروب والانقسامات.
في الوقت الراهن، لم يعد للتجمع اليمني للإصلاح حضورا على الساحة. فقياداته إما هاربة خارج الوطن، أو متخفية في بعض المحافظات الشرقية. وحتى في تلك المناطق التي لا يزال الإصلاح يحتفظ فيها بوجود رمزي، مثل مأرب، التي تعتبر آخر معاقلهم الظاهرية، قد أصبحت أشبه بالمستعمرات الخاصة بهم، حيث يتصرفون وكأنهم خارج سلطة الدولة اليمنية. وصارت مأرب في حالة مروق عن السلطة الشرعية.
التجمع اليمني للإصلاح، على الرغم من محاولات أنصاره الحفاظ على ما تبقى من هيبته السياسية، يظهر اليوم ككيان هش وغير مؤثر. في كل عام، ويحتفل أتباعه بالذكرى الرابعة والثلاثين لتأسيسه في مظاهر لا تعكس سوى التمسك بظلال شجرة عارية يابسة لا تثمر، رغم إدراكهم العميق أن الحزب بات في حكم المنتهي. هذه الاحتفالات لم تعد تعبر عن قوة سياسية أو حضور جماهيري حقيقي، بل عن محاولة يائسة لإحياء كيان فقد كل مقومات التأثير الفعلي على الساحة اليمنية.
لقد صار واضحا أن الإصلاح لم يعد سوى اسم فارغ يتردد في الساحة السياسية، دون أي قدرة على التأثير أو العودة إلى مركز القرار. جماهيره نفسها تدرك أن احتفالاتهم السنوية ليست سوى طقس رمزي بلا معنى، لأن الواقع يفرض نفسه: الإصلاح قد انتهى فعليا، سياسيا وجماهيريا، ولم يعد له دور في مستقبل البلد.