تشطيبات إسرائيلية للشرق الأوسط… واشنطن وراء الستار
ما تقوم به اسرائيل اليوم، سواء تحت يافطة تصفية حماس في غزة او قطر، او قصف الأراضي اليمنية بذريعة الرد على القصف الحوثي، ليس سوى حلقة من مشروع اكبر يتطابق مع ما تسعى اليه الولايات المتحدة لاعادة تشكيل الشرق الاوسط وفق مقاسها، عبر تقليم اظافر القوى الفاعلة التي تملك قرارا أمنيا او عسكريا او مرتكزا سياسيا محوريا في المنطقة، وإن كان قريبا من واشنطن، لكنه قد يهدد امن الكيان الاسرائيلي. فواشنطن تدرك أن استمرار هذه القوى، مهما كانت موزعة، يشكل كابوسا وجوديا لاسرائيل ويفشل مخططاتها في هذه المنطقة الاستراتيجية.
حتى الكذبة الامريكية في مكافحة الارهاب باتت مكشوفة، فهي التي صنعت بيئة الارهاب ورعته، ثم استخدمته ذريعة لتفكيك الدول وتمرير مشاريعها، وفي الوقت ذاته وفرت لاسرائيل الغطاء السياسي والمالي والعسكري لتنفيذ اجندتها بالنيابة عنها. هذه الغطرسة الأمريكية – الاسرائيلية، مع افراطها في القوة وتحدي المواثيق الدولية والسيادة الوطنية للشعوب، ليست مجرد ردود عسكرية، بل رسائل لصناع القرار في المنطقة، مفادها أنه لا مكان لقوة مستقلة، ولا مستقبل لشعوب تفكر خارج الاملاءات.
لكن ما لا تدركه هذه القوى أن الشعوب العربية، رغم القمع والظروف الصعبة، لن تنطلي عليها هذه الألاعيب، وأن ذاكرة الوجع والخذلان قادرة على اعادة انتاج وعي جمعي مختلف. ويبقى السؤال الكبير: اين جامعة الدول العربية من كل ذلك؟ اين مشاريع الدفاع المشترك؟ واين الصوت الجماعي لمواجهة الغطرسة؟ للاسف، تبقى بيانات الشجب هي السقف الاعلى للتحرك العربي.
لا ادعو هنا إلى أن يُفل الحديد إلا بالحديد، لأني أدرك اختلال التوازن العسكري، لكن هناك مسارات ضغط متاحة، تبدأ بالدبلوماسية الجادة وتمتد إلى الضغط الاقتصادي والتجاري، خصوصا في عالم باتت فيه القوة الاقتصادية مرادفا للنفوذ السياسي. الشراكات مع دول صناعية واقتصادية كبرى خارج المظلة الامريكية يمكن أن تكون رسالة مقابلة واضحة.
كما يمكن لوحدة الصف العربي أن تعد مؤشرًا مهما لمواجهة المشروع الاسرائيلي–الامريكي. خاصة إذا توحدت الارادة العربية بصدق وثبات وبدون علاقات تحت الطاولة، فإن الغطرسة الامريكية – الاسرائيلية لن تبقى قدرا محتوما، بل مرحلة عابرة، لتثبت الشعوب أن قدرتها على الصمود والمواجهة اكبر من كل المشاريع المفروضة عليها.