حزب المؤتمر .. هل تعلم من الأخطاء أم يكررها ؟
في ظل ما يمر به الوطن من تحديات مصيرية غير مسبوقة، تبرز الحاجة الملحة إلى مراجعات سياسية جادة من قبل جميع القوى الوطنية، وفي مقدمتها حزب المؤتمر الشعبي العام، بوصفه أحد أكبر الأحزاب اليمنية وأكثرها حضورًا في الوجدان الشعبي والتاريخ السياسي للدولة.
ولا يخفى على أحد أن شريحة واسعة من أبناء الشعب اليمني ما تزال تنظر إلى المؤتمر باعتباره رافعة سياسية يمكن التعويل عليها في مسار إنقاذ الوطن من الحروب والاقتتال، ليس بدافع الحنيين للماضي، بل انطلاقًا من واقعية سياسية تفرضها التجربة والانتشار والقدرة التنظيمية.
إن الحديث عن أخطاء المرحلة السابقة لا ينبغي أن يفهم باعتباره انتقاصًا من المؤتمر أو تشكيكًا في وطنيته، بل هو واجب وطني وأخلاقي تفرضه المسؤولية التاريخية. فالأحزاب الكبيرة لا تقاس بغياب الأخطاء، بل بقدرتها على التعلم منها وتجاوزها.
لقد شهدت المراحل الماضية تراكمات سياسية وإدارية، بعضها نابع من تعقيدات المشهد، وبعضها الآخر من اختلالات في إدارة القرار والعمل المؤسسي. وهذه التحديات لا تخص المؤتمر وحده، لكنها تضعه أمام مسؤولية أكبر بحكم موقعه وتأثيره.
اليمن اليوم ليس كما كان، والواقع السياسي والاجتماعي تغير بشكل جذري. ومن هنا، فإن المطلوب من المؤتمر ليس الاكتفاء بإعادة إنتاج الخطاب التقليدي، بل تحديث أدواته السياسية، وتجديد خطابه الوطني، وتوسيع دائرة الشراكة، بما ينسجم مع تطلعات الشعب اليمني لدولة مدنية عادلة.
كما أن تعزيز العمل المؤسسي داخل الحزب، وإتاحة المجال أمام الكفاءات والشباب، نعم امام الكفاءات والشباب وليس الولاءات والقرابه ، وترسيخ مبدأ الشفافية والمساءلة، تمثل خطوات أساسية لاستعادة الثقة العامة وتعزيز الدور الوطني للمؤتمر.
وإن الدور المنتظر من المؤتمر الشعبي العام في هذه المرحلة الدقيقة هو أن يكون جسرًا وطنيًا جامعًا، لا طرفًا في الاستقطاب، وصوتًا للعقل والحكمة، لا ساحةً لتصفية الحسابات أو إعادة إنتاج الانقسامات.
فاليمن بحاجة إلى قوى سياسية قادرة على جمع الفرقاء، وتغليب المصلحة الوطنية العليا، والدفع نحو حلول سياسية عادلة تنهي معاناة الشعب وتضع البلاد على طريق الاستقرار.
إن التحديات التي تواجه اليمن اليوم تفرض على المؤتمر الشعبي العام أن يكون في طليعة القوى التي تقدم نموذجًا في المراجعة، والانضباط السياسي، وتقديم التنازلات الوطنية اللازمة من أجل إنقاذ الوطن، بعيدًا عن الحسابات الضيقة أو الاعتبارات المرحلية.
فالمؤتمر، بما يملكه من إرث سياسي وقاعدة شعبية واسعة، قادر على لعب دور محوري في إعادة بناء الدولة، إذا ما أحسن قراءة اللحظة التاريخية، واستثمرها بروح وطنية مسؤولة.
خاتمة
ليس المطلوب من المؤتمر أن يدافع عن الماضي، بل أن يتعلم منه.
وليس المطلوب أن يبرر الأخطاء، بل أن يتجاوزها. وليس المطلوب أن يكون حزب سلطة، بل حزب وطن.
بهذا فقط، يمكن للمؤتمر الشعبي العام أن يستعيد مكانته الطبيعية، ويساهم بفاعلية في إخراج اليمن من أزمته، ويثبت أن الأحزاب الكبيرة لا تسقط، بل تتجدد وتنهض مع أوطانها.


