صرخة معلم.. أين الراتب يا حكومة؟ 

استبشر المواطنون خيرا مع بداية تحسن سعر صرف العملة المحلية وما تبعه من انخفاض طفيف في أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية والأدوية. فقد كان الناس يظنون أن هذا الانفراج الاقتصادي سيخفف عنهم ثِقَل المعيشة ويمنحهم متنفسا بعد سنوات من الأزمات. لكن سرعان ما تلاشت هذه الفرحة أمام واقع قاسي يعيشه موظفو الدولة المدنيون، وفي مقدمتهم المعلمون، الذين ما يزالون منذ أكثر من ثلاثة أشهر بلا رواتب.

المعلمون الذين لبوا نداء الواجب الوطني وكسروا إضرابهم السابق وفتحوا المدارس من جديد، فعلوا ذلك على أمل أن تفي الحكومة بوعودها وتصرف مستحقاتهم، غير أنهم وجدوا أنفسهم أمام خيبة أكبر. اليوم يلوّح هؤلاء بالعودة إلى الإضراب وإغلاق المدارس، بعد أن باتت الأوضاع المعيشية فوق طاقتهم، فلا يمكن لمعلم أن يؤدي رسالته التربوية وهو عاجز عن توفير قوت يومه أو دفع أجرة مسكنه.

ثلاثة أشهر من العمل بلا راتب دفعت الموظف البسيط إلى حافة الانهيار. فكيف يمكن لموظف أن يواصل التزامه الوظيفي وأسرته مهددة بالجوع والحرمان؟ كيف يمكن لمعلم أن يغرس القيم والعلم في عقول الأجيال، بينما أطفاله يذهبون إلى المدرسة ببطون خاوية ودفاتر ناقصة؟

إن ما يحدث اليوم يعد ضربا من الظلم الصارخ. فالإصلاحات الاقتصادية التي تباهت بها الحكومة لم يلمس الموظف البسيط ثمارها، بل تحولت إلى مكسب شكلي على الورق فقط. أما في الواقع، فقد ازدادت معاناة الموظفين، وارتفعت ديونهم، وتفاقمت همومهم اليومية. أصبح الموظف يصحو كل صباح وهو مثقل بالديون، يضع يده على رأسه ويسأل نفسه قبل أن يذهب إلى العمل: أين الراتب يا حكومة؟

لقد تحولت قضية الرواتب إلى جرح مفتوح ينزف في جسد المجتمع، وخصوصًا في صفوف المعلمين الذين يمثلون العمود الفقري لبناء الأجيال وصناعة المستقبل. وإذا استمر هذا التجاهل الحكومي، فإن الإضراب قادم لا محالة، وسيكون ثمنه خسارة الطلاب عامًا دراسيًا جديدًا، وتفاقم أزمة التعليم التي تعصف بالبلاد.

لقد بات من الواضح أن الصبر قد نفد، وأن صرخات المعلمين والموظفين لم تعد تحتمل التجاهل. فالراتب ليس منّةً من أحد، بل هو حق مشروع وواجب على الدولة تأديته بانتظام. وإذا لم تتحمل الحكومة مسؤوليتها وتسرع في صرف الرواتب المتأخرة، فإن الغضب الشعبي قد يتوسع ليأخذ شكل انتفاضة نقابية واسعة، تقودها فئة المعلمين، ويشارك فيها سائر الموظفين. عندها لن يكون الصوت مجرد احتجاج، بل صرخة جماعية تهز الشارع وتضع الحكومة أمام امتحان حقيقي: إما الانحياز للشعب وحقوقه، أو مواجهة موجة غضب لا تُبقي ولا تذر.