"ورقة حضرموت": استغلال الإخفاق الإداري لتفكيك الوحدة الجنوبية.
بقلم: د مرسي أحمد عبدالله
لطالما ظلت قضية استعادة الدولة الجنوبية حلماً موحداً ومطلباً جماعياً يمتد جغرافياً وسياسياً من باب المندب غرباً إلى المهرة شرقاً. بعد ثلاثة عقود من وحدة قسرية وفشل إداري وفساد مستشرٍ، أصبحت هذه الرغبة التاريخية أكثر إلحاحاً.
ومع اقتراب تحقيق هذا الهدف، ظهرت مؤخراً أصوات نشاز تدعو إلى فصل حضرموت عن الكيان الجنوبي الموحد، مستغلة الإخفاقات الإدارية والخدماتية التي تعتري الكيان الممثل للقضية، المجلس الانتقالي الجنوبي.
تناقض النقد وفخ التفتيت
إن محور هذا الجدل يكمن في الفصل بين القضية والممثل:
* النقد المشروع: لا يمكن إنكار حق الشعب الجنوبي في نقد أداء المجلس الانتقالي، والاعتراض على إخفاقاته في تحسين الخدمات ومحاربة الفساد، وتحقيق مبدأ العدالة والمساواة وعدم التمييز بين فئة دون أخرى. هذه الإخفاقات هي معاناة مشتركة طالت كافة المحافظات الجنوبية دون استثناء.
* العقاب غير المشروع: التناقض الأخلاقي هنا هو أن استغلال هذا النقد المشروع للذهاب إلى حد المطالبة بتفكيك وحدة الأرض الجنوبية هو بمثابة عقاب جماعي للقضية ذاتها، وليس تصحيحاً لأداء ممثليها.
حضرموت: ليست قضية إدارية، بل استراتيجية
إن محاولات عزل حضرموت والمهرة ليست مجرد مسألة "تمكين محلي" أو "حكم ذاتي"، بل هي ورقة ضغط استراتيجية تُستخدم لثلاثة أهداف رئيسية:
* إضعاف الجدوى الاقتصادية: فصل حضرموت (التي تضم أغلب الموارد النفطية والغازية) يحوّل الدولة الجنوبية المستعادة إلى كيان غير قادر على البقاء اقتصادياً.
* تفكيك الإجماع: تهديد الرؤية الجنوبية الموحدة وإعادة تأطيرها كـ "رغبات إقليمية متفرقة" بدلاً من "إرادة شعبية موحدة".
* خدمة الأجندات الإقليمية: هذه الدعوات غالباً ما تخدم قوى إقليمية أو دولية تسعى للحفاظ على مناطق نفوذ خاصة أو إبقاء المنطقة في حالة ضعف وتوازن قسري.
الحقيقة الثابتة: وحدة المصير
على الرغم من كل المناورات السياسية والأخطاء الإدارية التي ارتكبها البعض، يبقى الهدف الأسمى هو استعادة الكيان السيادي التاريخي الذي نشأ على امتداد الساحل والداخل، من باب المندب إلى المهرة.
إن الثمن الباهظ للتنازل عن أي جزء من هذا الكيان لن يدفعه القادة أو الأحزاب، بل الشعب الجنوبي بأكمله الذي سيجد نفسه أمام دولة ضعيفة ومجتزأة ومفتقرة لأدوات سيادتها الاقتصادية.
مطلب الشعب: إصلاح المسار واستعادة الثقة
هذا ما ينبغي أن نطالب به جميعاً من أجل مصلحة الجميع، والترفع عن الدونية والمصالح الخاصة بفئة دون أخرى، لأن ما تعانيه حضرموت تعانيه عدن، وأبين، ولحج، وشبوة، والمهرة.
إن استعادة ثقة الشارع الجنوبي لا يمكن أن تتحقق بالاعتصامات والمطالبات المجردة فحسب، والتي يراها البعض عزفاً على أحلام البسطاء والمناضلين الصادقين، بل تتطلب إلى جانب ذلك من المجلس الانتقالي تبني أجندة إصلاح صارمة تضمن المصداقية على الأرض:
* الشفافية المالية: التوقف الفوري عن الاستحواذ على الإيرادات المحلية والالتزام بالشفافية في إنفاقها على الخدمات الأساسية.
* المساءلة والعدالة: إنهاء الموقف السلبي تجاه الفساد، والبدء بمحاسبة عادلة لأي قيادي متورط، والتوقف عن التمييز والتفريق بين أبناء المحافظات.
* بناء المؤسسات: العمل الجاد على بناء جيش وطني موحد ومهني تكون ولاءاته للدولة والمشروع الوطني، وليس للكيانات السياسية.
* المصالحة الشاملة: مواصلة عمل لجان الحوار الوطني والاستمرار في جهود المصالحة الوطنية الجامعة التي تضم كل المكونات الجنوبية، لضمان وحدة الصف ضد مشاريع التفتيت.
في زمن انعدام الثقة في الكيانات البشرية، يجب أن يظل اليقين مثبتاً على وحدة المصير والأرض، ورفض أي محاولة لجعل قضية الجنوب ضحية لمصالح ضيقة عابرة.


