لا تمتحنوا صبر الشعب ، إني لكم لمن الناصحين
شهد الأسبوع الماضي أحداثاً دامية في جمهورية النيبال اسفرت عن هروب رئيس مجلس الوزراء وعدد من المسؤولين ، وأعلن الجيش السيطرة الكاملة على العاصمة ( كاتماندو ) وفرض حالة الطوارئ ، ريثما يتم الإعلان عن تشكيل حكومة جديدة .
أياماً معدودات احتاجها الثوار حتى نزعوا جذور الفساد ، وطردوا المفسدين ، وأحرقوا عدداً من منازلهم التي بُنِيَتْ من أموال الشعب المقهور .
أياماً قلائل ..
هاج خلالها الشعب المقهور ، المكلوم ،
المظلوم ، المنهوبة أموالُه ، والمسلوبة حريتُه ، المصادرة إرادتُه فكانت النتيجة .....
عملية جراحية بسيطة استأصل من خلالها الثائرون ورم الفساد ، والقوا الفاسدين في زنازين السجون ، وشرد من تمكن منهم من بطش الثوار.
وهاهم الثوار - اليوم - يتفقون على تعيين ( شوشيلا كاركي ) كأول امرأة تشغل منصب رئيس حكومة في النيبال ، وهي قانونية كانت تشغل رئيسة المحكمة العليا ، وحددوا الخامس من مارس 2026م موعداً لإجراء انتخابات في البلاد .
هكذا هو حال الشعوب عندما يُسْتَخفٌُ بها ، وتُهان كرامتها ، وَتُصادر حريتها ، وَتُسلب إرادتها ، وَيُعبث بمقدراتها ، وَيُتعمَّدُ إذلالُها ..
تصبر ، وتتصبَّر ، وتئنٌّ وتتحمل ، وتُداري جِراحَها ...
ولكن حينما يتجاوز الظلم مداه ، وحينما يتعدى الاستخفاف حدوده ، وحينما يبلغ القهر ذروته ..
يتحول ذلك الأنين الخافت إلى بركان
متلف ، ويتطور ذلك الصوت الخفي إلى رعد مزمجر ، وتتحور تلك الوداعة الضعيفة إلى طوفان مُدمُِرُ.
عندها لا تستطيع قوى الفساد - مهما بالغت في استخدام القوة الأمنية - أن تقف كسد منيع أمام ذلك الطوفان البشري .
ولعل الصورة الحية للطوفان البشري في النيبال خير شاهد ..
وقد رأينا كيف استطاعت الجماهير الثائرة - هناك- أن تتحول إلى طوفان مُدَمٌِرُ لم تتمكن قوى الأمن من الوقوف أمامه ، ولا التصدي له ، ولا إيقاف مده !!!
بل تهاوت له جُدُرُ الظلم ، وسقطت في طريقه قلاع الفساد ....لكأنما هي حواجز مصنوعة من أعواد العزف !!!
وهكذا هي إرادة الشعوب حينما يستخف بها الطغاة ، والمجرمون....
تصبر ...لكن لصبرها حدود .
تتحمل ...لكن لِتَحَمٌِلها وقت معدود .
وحينما تشعر أنها فقدت كل شيء ، وخسرت كل شيء ، ولم يعد يهمها أي شيء ..
تثور كالبراكين ، وتزحف كالطوفان ، وتزأر كالاسود ، وتنطلق كالنسور ..
فلا يوقفها حاجز ، ولا يردعها رادع ، ولا يقف في طريقها سد منيع ...حتى تهدم قلاع الظلم ، وتنزع قوى الشر ، وتزيل بؤر الفساد .
ولنا في التاريخ القديم والحديث
دروس وعبر وعظات ...
فهل من مُعْتَبرُ ؟؟!!
قادتنا الكرام ،،،
لقد بلغ الظلم اليوم بالشعب اليمني مداه ، وأصبح الفساد كسرطان خبيث ينهش أجساد المواطنين ، ولم يعد للشعب ما يخسره البتة .
هل تعلمون أنَّ الموظف لم يحصل على راتبه التافه لأربعة أشهر متتالية ؟
هل تعلمون أنَّ انقطاع الكهرباء قد وصل في عدن الحبيبة إلى اثنتي عشرة ساعة ؟
هل تعلمون أنَّ هناك كارثة حلت بالتعليم ؟
هل تعلمون حجم الفساد في القضاء ؟
وهل تعلمون ماذا يفعل هوامير الصرافة بالمواطنين ؟
وهل تعلمون ، وهل تعلمون ، وهل تعلمون......؟
فماذا أبقيتم - إذا - للمواطن الذي تدندنون على مصالحه ، وتتغنون بخدمته ، ووصلتم إلى الكراسي بغباه ؟!!!
وماذا بقي لكم من اسم المسؤولية ؟؟!!
وهل تنظنون أنَّ الخطابات الرنانة التي تطلقونها باسم
الشعب المسكين ستطيل وقت الصمت ؟
وهل تعتقدون أنَّ الصبر على القهر ، والظلم، والفساد ، والجوع ، والحرمان سيستمر ؟؟!!
أدركوا أنفسكم ، وتوجٌَهوا إلى الشعب ، واتخذوا خطوات جادة تلامس واقع المواطنين...
لعلها تشفع لكم ، وتنقذكم من بطشهم .
وإياكم وامتحان صبر المقهورين ، وإياكم والاستخفاف بدعوات المظلومين ، وإياكم والتغافل عن أنات المحرومين .
كم أتمنى أن تلامس هذه الكلمات ضمائركم وتقرؤها
بقلوبكم ،وتوعوها بأفئدكم .
لأني كتبت كلماتها بدمع عيني ، وسجلت حروفها بصدق مشاعري ، ضمنت معانيها بخفقان قلبي .
لا أحب المناكفات السياسية القذرة ، ولا أميل للدعاية الإعلامية الساقطة ، ولا أرغب في التشفي بأحد ...
ولكنه الواجب الشرعي الذي يحتٌم علينا النصيحة ، ويوجب علينا قول الحق .
{وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} .