اغتيال النزاهة: دم "افتهان المشهري" يروي طريق الحق في مدينة الفساد

بقلم: د. محمد الشعبي 
في المدن التي تُرهَق بالفساد وتُخنق بغبار الخيانة، تبرز أصوات قليلة لا تخشى أن تُعلى كلمتها. هذه الأصوات لا تحمل سلاحًا ولا تستند إلى سلطة، بل تستمد قوتها من الحق والنزاهة، وتُحمل على أكتافها هموم مجتمع كامل. كانت افتهان المشهري إحدى هذه الأصوات. لم تكن مجرد اسم، بل كانت رمزًا للمقاومة السلمية ضد الأوساخ التي تراكمت على أرضنا، ورمزًا للطهارة التي تُنظف الروح قبل أن تُنظف الشارع.
لم تكن افتهان تحارب أوساخ المدينة الظاهرة فقط، بل كانت تحارب قذارة النفوس التي تعشش فيها، فساد الذمم الذي يُباع ويُشترى، وخيانة الأمانة التي أرهقت كاهل مدينتها. بينما كان البعض يحمل همّ بطنه وسلاحه، كانت هي تحمل همّ مدينة كاملة، تسعى لإنقاذها من الغرق في مستنقع الظلم.
اغتيالها لم يكن جريمة قتل عادية، بل كان اغتيالًا للنزاهة نفسها. هو اعتداء جبان يُثبت أن صوت الحق يُرهبهم، وأن نزاهتها فضحت فسادهم، وأن طهارتها أحرقت دنسهم. لقد ظنوا أن إخماد صوتها سيُنهي الحكاية، لكنهم لم يدركوا أن الدم الذي أراقوه سَيُروي طريق النزاهة ويُثبت الأقدام عليه.
في عالمٍ لم تُنجب فيه الرجولة المزعومة سوى الخيانة والغدر، كانت امرأة واحدة تُثبت أنها أرجل من كل من حاولوا إسكاتها. لقد أوجعتهم بصلابتها، وأربكتهم بطهارتها، وكشفت ضعفهم أمام قوتها.
رحم الله افتهان المشهري، الشهيدة التي روت بدمها طريق الحق في مدينة أنهكها الفساد والغدر. دمها ليس نهاية القصة، بل هو بداية فصل جديد، فصل تُكتب فيه نهايات الفاسدين على يد أبناء المدينة الذين سيبنون مستقبلها على أساس النزاهة والطهارة.