سلطة الدولة الغائبة في تعز .. وتجربتي المريرة ..!!
الجريمة المروعة التي حدثت مؤخرا في مدينة تعز والتي كان ضحيتها الشهيدة الاستاذة افتهان المشهري مديرة صندوق النظافة ، والتي عكست الوضع المأساوي والكارثي والدموي الذي تعيشه مدينة تعز ، وهي تعيش تحت سلطة عصابات اجرامية وارهابية ذات نزعة حزبية وعنصرية ومناطقية وعصبوية ، هذه الجريمة جعلتني استذكر تجربتي المريرة التي كان مسرحها مدينة تعز ، والتي حدثت في العام 2014 م ، وقد بدأت هذه التجربة عندما ذهبنا إلى مدينة تعز مع والدي حفظه الله وذلك لشراء حراثة ، وكان برفقتنا 3 اشخاص من ذمار اخبرونا بأن هناك حراثة نظيفة موجودة في مدينة تعز وهي معروضة للبيع وتتبع جمعية زراعية ، وبالفعل وصلنا مدينة تعز وفي منطقة عصيفرة بالتحديد وجدنا حراثة روسية الصنع واقفة ومعطلة ومهملة ، لكنها لا تزال بحالة جيدة رغم انها تحتاج للكثير من الصيانة والاصلاح ، وكان من ضمن الاشخاص الذين دلونا عليها شخص متخصص في ميكانيك واصلاح الحراثات ، اخبرنا بأنها لا تزال بحالة جيدة وأن الاعطال التي بالحراثة هي نتيجة وقوفها لفترة طويلة ، وان سبب توقفها هو خلاف بين الاشخاص الذين اشتروها من الجمعية ، وهو ما جعل قيادة الجمعية تتدخل وتقوم بايقافها ، وتقرر في الاخير عرضها للبيع ..!!
المهم تواصلوا مع رئيس الجمعية الذي لم أعد أذكر اسمه ولا إسم الجمعية عبر الهاتف واخبروه بأن فيه مشتري للحراثة ، وسألوه عن السعر المطلوب فقال مليون و500 الف ، طبعا ما شجعنا على الموافقة على الشراء هو تأكيد المهندس بأن محركاتها لا تزال بحالة جيدة ، واخبرونا بأن علينا متابعة موضوع الشراء عبر الاتحاد الزراعي ومكتب الزراعة في تعز ، كونها تابعة لجمعية زراعية ، لأن الحكومة كانت توزع هذه الحراثات للجمعيات الزراعية بأسعار مخفضة وبالتقسيط ، والتي كانت بدورها توزعها على المزارعين بهدف مساعدتهم وتشجيعهم على العمل والانتاح الزراعي ، وبالفعل ذهبنا لمكتب الزراعة وكان المدير حينها هو الاستاذ محمد الجندي إبن عم الاستاذ عبده الجندي ، وقد تعرفنا عليه بشكل شخصي وتعاون معنا بشكل كبير ، وكان يستقبلنا حتى بعد الدوام الرسمي في منزله ، وبعد استكمال الاجراءات في مكتب الزراعة توجهنا إلى مكتب الاتحاد الزراعي بالوثائق والمذكرات المطلوبة ، ولم تعد تسعفني الذاكرة بتذكر اسم مدير الاتحاد الزراعي آنذاك لكن بصراحة حتى هو كان متعاون معنا وكنا نلتقي به في استراحة المكتب ، وطلب منا دفع قيمة الحراثة مليون و500 الف وسلمناها له بموجب استلام خطي منه ، وطلب منا بعض الوقت للتواصل مع قيادة الجمعية الزراعية ، بهدف انهاء الاشكال والخلاف حول الحراثة ، ولكن يبدو أن خلاف حصل بين رئيس الاتحاد الزراعي وقيادة الجمعية الزراعية على حصة كل طرف من قيمة الحراثة ..!!
ومن هنا بدأت معاناتنا ونحن نتابع موضوع شراء الحراثة ، والذي كان المفترض أنه قد تم بحسب الاجراءات القانونية ، طبعا وبكل صراحة مدير مكتب الزراعة ورئيس الاتحاد الزراعي بعد ان شعروا بتعنت ورفض الهيئة الادارية للجمعية تسليم الحراثة ، عملوا لنا أمر بتحميل الحراثة فوق قاطرة ونقلها إلى ذمار ، وكانت المفاجأة عند ذهابنا لتحميل الحراثة خرج لنا مجموعة من البلاطجة بالسلاح ومنعونا من تحميل الحراثة ، ويبدو بأن هؤلاء البلاطجة والمفصعين يتبعون قيادة الجمعية ، أو أنهم كانوا يتبعون طرف نافذ في تلك المنطقة كان يريد منا أتاوة مالية كون الحراثة كانت واقفة في منطقة نفوذه ، ورغم عرضنا عليهم أوراق البيع وأوامر مكتب الزراعة والاتحاد الزراعي إلا أنهم رفضوا تسليم الحراثة ورفضوا كل الأوامر والتوجيهات ، قلنا في أنفسنا نذهب لإدارة الأمن ونعرض عليهم الموضوع وبدون شك سوف يتدخلوا ويوقفوا هؤلاء البلاطجة عند حدهم ، ولكن للأسف الشديد قابلنا مسؤلي الأمن بكل برود ولا مبالاة ، وكأن الأمر لا يعنيهم ولم يصدر منهم أي موقف ، عندها أدركت بأن مدينة تعز ليست على ما يرام بعد أن رأيت عجز وضعف الاجهزة الأمنية وعدم قيامها بواجباتها ..!!
المهم رجعنا لرئيس الاتحاد الزراعي والذي يبدو أنه قد شعر بخطورة الموقف ، وأدرك أنه يقف في مواجهة قوى نفوذ لا طاقة له بها ، وفي محاولة أخيرة منه عمل لنا مذكرة إلى النيابة للقيام بواجبها القانوني مطالبا إياها بضبط المعرقلين وتسليم الحراثة للمشتري ، ذهبنا إلى النيابة وعرضنا المذكرة والوثائق التي تثبت شراءنا للحراثة بالطرق القانونية ، وكنا ننتظر من النيابة اصدار الأوامر للقبض على المعرقلين وانصافنا وفق القانون ، ولكن ما حصل كان غير ذلك حيث تفاجأنا بعضو النيابة المكلف بالموضوع يأمر بحبس والدي المشتكي ، وهنا فقدت اعصابي وبدأت بالكلام بصوت مرتفع في وجه عضو النيابة قلت له هذا والدي جاء من أجل أن تنصفوه وتسلموا له حقه وأنت تأمر بحبسه في أي نظام هذا ، طبعا انا عرفت ان كلامه ذلك هو رسالة تهديد لنا الهدف منه التوقف عن الملاحقة والمطالبة بتسليم الحراثة ، وادركت عندها بخطورة الموقف وأننا نواجه عصابة منظمة لها أيادي في كل مكان ، وشعرت بالاحباط وأنا أشاهد الحال المؤسف والمأساوي الذي وصلت إليه الاجهزة الأمنية والضبطية والقضائية في مدينة تعز ..!!
ولكننا لم نيأس ولم نستسلم طلبنا مقابلة رئيس التيابة ، ويا للصدف كان رئيس النيابة حينها القاضي محمد الحاج من ذمار من ميفعة عنس نفس مديريتنا ومن قرية الميفعة وتربطنا بهم علاقات طيبة ، قلنا فرصة نتواصل معه وبدون شك سوف ينصفنا ويوقف البلاطجة عند حدهم ، وذهبنا له إلى منزله واستقبلنا ورحب بنا واستمع لموضوعنا ، ويبدو انه كان قد اطلع على الموضوع ، ومن خلال كلامه أدركت بأن الأمور في تعز ليست على ما يرام ، وأخبرنا بأن كل ما يستطيع عمله هو الزام رئيس الاتحاد الزراعي بارجاع فلوسنا ، ونصحنا بترك الموضوع ، عندها أدركت بأن مدينة تعز لم تعد محكومة بالنظام والقانون ولم تعد خاضعة للسلطة ، بل لقد اصبحت الكلمة العليا فيها لقوى النفوذ الحزبية وللعصابات التابعة لها ، كما أن تلك التجربة جعلتني أدرك حجم مأساة مدينة تعز رغم أنه في ذلك الوقت كان لا يزال هناك شبه دولة ، فكيف الحال اليوم بعد أن تمكنت قوى النفوذ الحزبية والمناطقية والقبلية والعصابات المرتبطة بها ، من احكام السيطرة على السلطة في مدينة تعز ، وبعد أن أصبح قادة وزعماء تلك القوى والعصابات هم من يديرون الاجهزة الحكومية في تعز ، وهم من يرتدون الزي الرسمي للأمن والجيش ، لذلك لم اتفاجأ من تهاون واهمال الاجهزة الامنية والقضائية للمذكرات والأوامر والتوجيهات والشكاوي التي قدمتها الشهيدة افتهان المشهري ، والتي نتج عنها سفك دماء الشهيدة في وضح النهار ، وهذا أمر طبيعي في ظل عجز وفشل وتهاون وفساد الجهات الأمنية والقضائية في مدينة تعز ، وما قتل الشهيدة افتهان إلا قطرة من بحر المأساي والكوارث والجرائم التي تعيشها مدينة تعز كل يوم ، ان هذا الوضع يتطلب تدخل مباشر لإنقاذ أبناء تعز وتحريرهم من هيمنة وبطش وطغيان تلك القوى والعصابات الارهابية ، ويتطلب من أبناء تعز في المقام الأول الالتفاف حول بعضهم واعلان الكفاح والنضال السلمي واذا استدعى الامر النضال المسلح ، الأمر خطير وخطير جدا ، وأي تهاون مع ذلك سوف تكون نتائجه مدمرة وكارثية ..!!