الدين روح وأخلاق؛ لا شعائر جوفاء
بقلم: حسن الكنزلي
لم يأت الإسلام ليُثقِل ظهور الناس بطقوس شكلية، ولا ليُزيّن الألسن بشعارات فارغة؛ بل جاء ليصوغ إنسانا ربانيا، يعبد الله حق العبادة، ويعمر الأرض بالعدل والرحمة، ويترجم إيمانه إلى أخلاق حيّة تسري في بيته، وسوقه، وعمله، ومجتمعه. ألم يقل النبي ﷺ: «إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق»؟!
العقيدة أصل، والعبادة فرع، والأخلاق ثمرة؛ فلا معنى لعقيدة لا تثمر عبادة، ولا قيمة لعبادة لا تُنتج خُلقا قويما. قال تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ﴾، أي أن الصلاة الصحيحة تترك أثرها في سلوك صاحبها. وقال سبحانه: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا﴾؛ فمن زكّى نفسه بالتقوى نقّاها من الرذائل. ولذلك قال الحسن البصري: "من زاد عليك في الخلق فقد زاد عليك في الدين".
إن البلاء الأعظم أن ينفصل التدين عن الأخلاق؛ فنرى مظاهر تدين تخفي وراءها غشا أو ظلما أو خيانة... هذا ليس من الدين في شيء؛ فالنبي ﷺ قال: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده». فالتدين الشكلي الذي لا يثمر صدقا وأمانة ورحمة؛ إنما هو صورة من صور النفاق.
والإسلام لا يقيس الناس بمظاهرهم؛ بل بصفاء قلوبهم وحسن أعمالهم، قال تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾. والتقوى ليست لحية طويلة أو ثوبا قصيرا فحسب؛ بل صدقا في المعاملة، وأمانة في اليد، ورحمة في القلب، وعدلا في القول والعمل. ولهذا قال ﷺ: «أقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا».
والأخلاق تظهر في الميادين كلها:
- في البيت؛ بالرحمة مع الأهل؛ فقد قال ﷺ: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي».
- في السوق؛ بالصدق واجتناب الغش؛ فقد وعد النبي ﷺ التاجر الصدوق بمرافقة الأنبياء والصالحين.
- في العمل؛ بالإتقان والأمانة؛ إذ قال ﷺ: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه».
- في المجتمع؛ بكظم الغيظ والعفو والتعاون على الخير.
- في السياسة والشأن العام؛ بالعدل والشفافية؛ فالقرآن يأمر بالعدل والإحسان، ولا تقوم دولة على الظلم والخداع.
والأمم لا تنهض بالموارد فقط؛ بل بأخلاقها أولا. فإذا صلحت أخلاقها؛ استثمرت قوتها وأقامت حضارة، وإذا فسدت؛ انهارت مهما بدت قوية. والتاريخ شاهد؛ فأمم كثيرة تهاوت يوم أضاع أهلها الصلاة واتبعوا الشهوات.
واليوم، معركتنا الكبرى ليست فقط على الأرض والحدود؛ بل على الهوية والأخلاق. شباب الأمة يُغزون في عقولهم وقلوبهم أكثر من ساحات الحرب. ولن تكون لنا نهضة حقيقية حتى نعيد للأخلاق مكانها، فنجعلها الثمرة الطبيعية لعقيدتنا، والميزان الصادق لعبادتنا.
إن العقيدة بلا عبادة وهم، والعبادة بلا أخلاق جسد بلا روح. الدين الحق أن تترجم العقيدة إلى عبادة، والعبادة إلى أخلاق، والأخلاق إلى حياة صادقة رحيمة عادلة. هناك فقط يظهر معدن الإيمان، وهناك يُوزن ميزان التدين.
هدانا الله وجميع المسلمين لأحسن الأخلاق والأعمال، ودمتم سالمين!