تعز.. بين شبح المحافظ ووليمة الأمن

بقلم: فتحي أبو النصر 

يقف المحافظ نبيل شمسان لا كقائد، بل كتمثال نُحِتَ على عجل في سوق خردة الجمهورية.. لا أثر لقرار، لا بصمة لسيادة، لا صوت إلا للرصاص الذي يكتب البيانات بدلاً عن القلم.. يحدث ذلك في تعز، المدينة التي عُلِّقت بين السماء والجريمة.

وشمسان، هذا الاسم الذي لم يعد يعني شيئا إلا في أخبار التعازي، يعيش في قصر محاط بالحواجز، بينما تنهار المدينة تحت قدميه كجسد بلا أعصاب.. فهل هو عاجز؟ أم متواطئ؟ أم مجرد ظل لسلطة أكبر تمارس الحكم عبر الواتساب وأوامر "المجاملات الوطنية"؟. 

وفي كل الأحوال، فإن استقالته ليست ترفا، بل واجب أخلاقي، إن بقي للكرسي أخلاق.. أما مجلس القيادة، ذاك الطيف المتعدد الرؤوس، فعليه أن يفهم أن إدارة الأمن في تعز تحولت إلى صالة استقبال للميليشيات، لا جهاز دولة.

فمن غرفة عمليات الجريمة إلى ميدان عام تُذبح فيه هيبة الدولة على الملأ، باتت "القيادات" الأمنية والعسكرية وكأنها رعاة قطعان من الفوضى، يطلقونها كلما احتاجوا إلى دفعة مالية أو تفاوض سياسي.

على أن إقالة هؤلاء ليست مطلبا، بل تطهيرا، إن بقيت الدولة تؤمن بفكرة التطهير الإداري. أما السكوت، فهو خيانة مضمخة بالكولونيا الوطنية.!

وهنا تأتي عقدة المسرحية: التجمع اليمني للإصلاح.. كان يوما يُصنّف بفرع الإخوان المسلمين، لكن يبدو أن الإخوان تبرأوا منهم قبل أن يبرأوا هم من الإخوان.. فالإصلاح اليوم ليس حزبا سياسيا، بل شبكة مصالح ومكاتب حجوزات للوظائف.

لكنه، للمفارقة، لم يعد يملك ما يمنعه من أن يقف مع "الإصلاح" الحقيقي في تعز، شرط أن لا تمس الحملة مصالح رجاله أو مناطق نفوذه. فلسفة الحزبية هنا: أن تبقى في الوسط حتى تسقط الجدران.

من هنا فإن تعز اليوم ليست بحاجة إلى خطاب، بل إلى صدمة كهربائية في ضمير النظام.. محافظة تخونها سلطتها، ويغتالها أمنها، ويتواطأ عليها ساستها، تحتاج إلى ما هو أكثر من بيانات التنديد.. أي تحتاج إلى فكر جديد، جيل غاضب لا يخشى السلطة، ورؤية تشعل شمعة في جمجمة الدولة المتحللة.

تلك هي المعضلة: دولة بلا رأس، محافظة بلا قلب، وشعب يتنفس البارود كأنه أكسجين.. فمن سيصرخ أولا!.. رحمة لا تنتهي على روح الشهيدة افتهان المشهري.