الاصلاحات من منظور المواطن والحكومة

عادةً عندما يسمع المواطن بوجود إصلاحات اقتصادية ومالية تقوم بها الحكومة، مباشرة يتبادر إلى ذهن ذلك المواطن أن الهدف من تلك الإصلاحات تحسين حالته المعيشية والانتقال به إلى مستويات أفضل، ويظل الأمل يراوده من تلك الإصلاحات، على أنها ستغير نمط الحياة الواقع الذي يعيشه من حيث الحالة المعيشية والخدماتية والانتقال به إلى ظروف وبيئة أكثر رخاءً وأمانًا واستقرارًا وفي جميع المجالات. هذا هو التصور القالب لدى المواطن في أي بلد من بلدان العالم وليس فقط في اليمن، وفي الحقيقة هذا هو التصور الصحيح.

غير أن لدى مسؤولينا في هذا البلاد الذين بلانا بهم الله تصور آخر لهذه الإصلاحات التي يقال أنها إصلاحات، فيما الحقيقة هي عكس ذلك. الإصلاحات من منظور هؤلاء المسؤولين هي تعطيل للحياة العامة للمواطن. تبدأ بتطبيق تلك الإصلاحات بتعطيل حياة المواطن البسيط من خلال التضييق على المواطن وتكدير معيشته، قطع راتبه الشهري، قطع الخدمات العامة: كهرباء، ماء، صحة، تعليم، أمن، وغير ذلك. فقطع الراتب هو قطع للحياة العامة بشكل عام في جميع المجالات عندما يكون المعلم والطبيب والمهندس ورجل الأمن والمرور والعسكري جميعهم بدون مرتبات ولمدة أربعة أشهر متتالية، ما هي الخدمة التي تتوقع أن يقدمها هؤلاء لهذا الوطن؟!!

بالتأكيد أن الجميع لن يستطيعوا من تأدية عملهم وواجبهم بكل أمانة وإخلاص ومسؤولية وشيء من الحس الوطني. وهذا شيء طبيعي لك أن تتصور ذلك الموظف وهو يخرج من منزله وهو في حالة يرثى لها حاملًا معه هموم أطفاله وأسرته ذاهبًا لمقر عمله الحكومي وأصوات أطفاله وعائلته تلاحقه تستغيثه طالبة منه شيء مما يسد به رمقهم ووجعهم وآلامهم ويرفع عنهم معاناتهم التي يعيشونها في انتظار راتب شهري متدني طال غيابه، فأي عمل وواجب ياترى سيقوم به ذلك الموظف وهو في تلك الحالة؟!

 من المؤكد أن ذلك العامل أو الموظف سيترك عمله ليبحث له عن عمل آخر ولو بالأجر اليومي لتلبية احتياجات أسرته وأطفاله من ضروريات الحياة.

هذه الرؤية والمنظور الحكومي لهذه الإصلاحات لن نجد لها أي مبررات سوى الفشل في القيام بالإصلاحات على أكمل وجه. وضعنا الاقتصادي المنهار يجب ألا يتحمل الموظف وزره. فالعوامل التي أوصلت البلاد إلى هذه الدرجة من الانهيار الاقتصادي ليس المواطن بقدر ما هي المنظومة الحاكمة اليوم، وبالتالي فالإصلاحات يجب أن تبدأ من فوق، من هناك من مكامن الخلل الواضحة. والإجراءات المتبعة لتطبيق هذه الإصلاحات يجب أن تبدأ بمحاربة فساد هذه الطبقة السياسية الفاسدة والفاشلة.

كما يجب على الحكومة أن تعلن عن سياسات تقشفية صارمة، فحجم الإنفاق غير المجدي في كثير من المرافق سيوفر للحكومة السيولة المطلوبة لتغطية مرتبات بعض القطاعات الحكومية. كذلك تقليص سفارات اليمن في الخارج وبعض القنصليات في كثير من البلدان. بلد عائش على الشحاتة وشعبها يتسول المنظمات لإنقاذه من الموت بينما حكومته فاتحة أكثر من مائة وخمسون سفارة في الخارج، تخيل هذا العدد وأكثر منها قنصليات تابعة لها ويتبع كل سفارة وقنصلية أكثر من تسعون موظفًا، وجميعهم بدون عمل ويستلمون مرتباتهم بالدولار من خزينة المركزي. هذا هو الاستنزاف للخزينة العامة، يعني أن هذا الشعب أصبح شاقيًا لهذه السفارات وموظفيها والتي أغلبهم من أسر يمنية معينة وأصبحت بعض السفارات والقنصليات تابعة لهم وكأنها ملك من أملاكهم.

الولايات المتحدة الأمريكية رغم أنها سيدة العالم وصاحبة أقوى جيوش واقتصاد في العالم لا يوجد لديها سوى ستة وسبعون سفارة حول العالم.

 انظروا إلى هذا الفرق بيننا وبينهم، أليس هذا هو الفساد بعينه والعبث بموارد الشعب؟ ألقى جميع هذه السفارات والقنصليات والاكتفاء بعشر إلى خمسة عشر سفارة ومكتب تمثيلي والتنسيق مع بعض سفارات الدول العربية لتسيير شؤون المغتربين، هذه هي الخطوة الأولى على طريق الإصلاح الذي سيوفر للخزينة العامة وفر مالي للمرتبات والمشاريع العامة.

إذا يا بن بريك، إذا أردت فعلًا تطبيق الإصلاحات الاقتصادية والمالية فعليك أن تبدأ بهذه السفارات العائلية التي تحمل شعار اليمن للاسترزاق والنهب المنظم. طبق سياسات الترشيد للمال العام بصرامة ومسؤولية، اعملوا قائمة سوداء بأسماء المرافق والمؤسسات التي لا تورّد للخزينة العامة مع القائمين عليها وبلغوا بذلك للجنة الرباعية الدولية. يجب ألا يتحول راتب الموظف إلى كبش فداء لهذه الإصلاحات. لقمة عيش المواطن خط أحمر، وأنتم تجاوزتم هذا الخط بقطع راتبه. من زين لك أمر قطع الرواتب لتطبيق الإصلاحات لا يريد لك الخير، فهم يعلمون أن هذا الشعب لم يعد يحتملهم ولا يطيقهم ولهذا هم يحاولون أن يحشروك معهم في هذه الزاوية الضيقة لتلحق بهم.