مواقف الحوثيين السياسية .. بين مزاجية التعبير وإستراتيجية التفكير !!
منذ البداية لم يعترف الحوثيون بالقرارات الدولية المتعلقة بحل الصراع في اليمن، كما رفضوا لاحقا جميع مقترحات حل الأزمة لسنوات، قبل أن يضعوا بعد ذلك إشتراطاتهم المعلنة بشأن تمديد الهدنة التي وقعوا عليها في وقت سابق على مضض، وصولا إلى قبولهم المتثاقل بخارطة السلام الأممية ثم الموافقة لأول مرة على الإنخراط في إتفاق مباشر مع الشرعية ولو في جانب معين من النزاع !!
لكن ما تفسير كل تلك المواقف، ولماذا تصرف الحوثيون مع تحولات المشهد بتلك الطريقة طوال الفترات الماضية؟!!
ربما للوهلة الأولى سيبدو أننا أمام جماعة غير منضبطة سلوكيا وتطغى سمة المزاجية السياسية على مواقفها المعلنة وخطاباتها الموجهة، عدا أنه في حقيقة الأمر يجب معرفة أنه لطالما كان من غير المتاح لدى جماعة الحوثي قبولها حلا للصراع يقوم على أساس المرجعيات الثلاث التي تبنتها القرارات الدولية لحل الصراع باليمن، وكذا ما طالب به أيضا في وقت لاحق بيان جدة المشترك إلى جانب مطالبته تمديد الهدنة باليمن؛ ذلك البيان هو الأخر وكالقرارات الدولية السابقة رفض في يومه الأول من قبل الحوثيين، وهذا يعني أننا نتحدث عن نهج إستراتيجي ثابت وهدف سياسي مدروس تجسده الجماعة في خضم مواقفها الجدلية وطريقة تعاملها الصاخبة مع مختلف تقلبات المشهد السياسي وجهود حل الصراع غير المتوقفة .
يرى الحوثيون أنفسهم سلطة أمر واقع نافذة، ولايستوعب قادتهم فكرة التخلي عما حققوه سياسيا وعسكريا خلال فترة الحرب، وأن ما تم تحقيقه خلالها عبارة عن وقائع ومنطلقات يعتقد الحوثيون أنها تشكل مسار الحل الوحيد عبر عملية تفاوضية تحتويها، وتقر بها كواقع وأرضية ممكنة لحل الصراع باليمن .
وكما أن حل الصراع اليمني المنبثق عن مرجعيات الحل الثلاث وبقية المقترحات المماثلة التي تجدد الحديث عنها لسنوات كان حلا ينفي فكرة قيامه على وقائع الحرب، كما لايعترف إطاره بأي سلطة تشكلت بقوة السلاح؛ فقد كان من الطبيعي حينها أن تبرز الإشكالية مع موقف الحوثيين دائما، وتزداد تعقيدات حل الصراع على الدوام .
إذ أن كل مايخشاه الحوثيين بإستمرار هو تلك الحلول التي تسعى لتقويض سلطتهم من قبيل حل المرجعيات الثلاث، وليس الحصار الذي عزز واقع سلطتهم وكرس هيمنتها على مدى السنوات الماضية، وعند هذه النقطة بالتحديد تعطل عمليا محرك القرارات الدولية وظل يكمن إشكال تمديد الهدنة المراد تحويلها منذ البداية إلى إتفاق دائم لوقف إطلاق النار باليمن .
حتى أعلنت الأمم المتحدة في وقت قريب عبر مبعوثها جروندبيرج عن مسار جديد لحل الصراع باليمن يقوم على وقائع الأرض ويطوي صفحة المسار السابق في تحول نوعي لطبيعة رؤى حل النزاع ومقترحات إنهاء الأزمة السياسية قاد بدوره إلى تحول نوعي أخر ولكن في موقف الحوثيين هذه المرة من مبادرات الخارج الساعية لتسوية الصراع في اليمن حين تمثل تحول موقفهم الجديد في إعلان إستجابتهم لمجموعة تدابير التمهيد لخارطة طريق أممية تفضي في محصلتها إلى التوصل لحل شامل للأزمة عبر عملية سياسية تنخرط فيها كافة الأطراف المحلية دون شروط مسبقة .
ومع إعلان المبعوث الأممي مؤخرا توصل طرفي الصراع الى إتفاق يقضي بإنهاء حالة التصعيد الأخيرة بينهما فإنه سيبدو جليا هنا تطور موقف الحوثيين العام وإتساقه مع ما تمضي إليه الأمور اليوم في إتجاه ما أشرنا اليه آنفا ولو بخطى متثاقلة ونوايا يغشاها الكثير من الحذر وغياب الرغبة في سرعة حسم الخلاف لاسيما عقب تأكيد الجميع موقفهم الداعم كليا لإنهاء حالة الحرب وعقد مفاوضات سياسية تهدف لحل النزاع والتوصل لإتفاق تسوية تحت سقف الأمم المتحدة .
وفي الحقيقة لايمكن تجاهل تأثير جملة المتغيرات الإقليمية الأخيرة على مواقف الأطراف المحلية ومسار الصراع عموما، غير أنه لطالما كان الثابت الوحيد لدى موقف الحوثيين إزاء مساع حل النزاع المتجددة والجهود المتواصلة لوقف الحرب كليا في اليمن هو تأكيد التمسك بضرورة تجاوز حائط القرارات الدولية السابقة وقبول التعاطي فقط مع مبادرات الحل المرتكزة على وقائع الأرض، وهو بالفعل ما تنتهجه الأمم المتحدة اليوم كمسار واقعي في مهمة حل النزاع اليمني ويظهر الحوثيون على غير العادة إستجابة شبه إيجابية تجاهه .