الأنهار تسخن أسرع من الهواء.. تهديد صامت للحياة المائية وللبشر

الأنهار تسخن أسرع من الهواء.. تهديد صامت للحياة المائية وللبشر

(أبين الآن) متابعات

الانهار

عند التفكير في موجات الحر، قد تتبادر إلى الذهن المدن الحارة والأسفلت اللامع بعد الظهر في الصيف. هذه الموجات تتصدر العناوين لأننا نشعر بها مباشرة.

أما الأنهار، فتُعد غالبًا ملاذًا باردًا للهروب من حر الصيف، لكن الأبحاث الجديدة تظهر أنها تسخن أيضًا، بل بوتيرة أسرع من الهواء.

دراسة لفريق بحثي أميركي كشفت أن موجات الحر النهرية – فترات ترتفع فيها حرارة المياه بشكل غير معتاد – أصبحت أكثر شيوعًا وشدة وطولًا مقارنةً بما كانت عليه قبل 40 عامًا، وبمعدل يزيد أكثر من ضعفي معدل موجات الحر الجوية.

هذا الارتفاع في الحرارة يفرض ضغوطًا إضافية على النظم البيئية المائية وجودة المياه وإنتاج الطاقة والزراعة، ويهدد الأنواع التي تعتمد على تيارات باردة.

الأسماك التي تفضل المياه الباردة مثل السلمون والترويت معرضة بشكل خاص، إذ يمكن أن تؤدي فترات الحرارة المرتفعة إلى إضعاف تكاثرها وبطء نموها وحدوث نفوق جماعي.

كما أن المياه الدافئة تحتفظ بكمية أقل من الأكسجين، ما قد يؤدي إلى اختناق الكائنات المائية، وتزيد من احتمالات تكاثر الطحالب وارتفاع تكلفة معالجة المياه لتصبح صالحة للشرب.

كذلك، يقلل ارتفاع درجة حرارة الأنهار من كفاءة محطات الطاقة الحرارية والنووية التي تعتمد على مياه الأنهار في التبريد.

صعوبة مراقبة الأنهار الضيقة والمتعرجة بالأقمار الصناعية

الأنهار

 

ورغم خطورة هذه الظاهرة، فإنها لم تحظ بالاهتمام الكافي بسبب صعوبة مراقبة الأنهار الضيقة والمتعرجة بالأقمار الصناعية.

منذ التسعينيات، انتشرت أجهزة قياس الحرارة في مجاري الأنهار، لكن البيانات ظلت متقطعة وغير متجانسة حتى طور الباحثون طريقة لدمجها.

باستخدام نموذج تعلم عميق، أعاد الفريق بناء درجات حرارة المياه اليومية بشكل مستمر عبر 1,471 موقعًا نهريًا في الولايات المتحدة بين عامي 1980 و2022، ما سمح لأول مرة بالمقارنة المنهجية بين خصائص موجات الحر النهرية والجوية وكشف اتجاهات كانت ستظل غير مرئية.

النتائج أظهرت أن موجات الحر النهرية تحدث بمعدل نصف موجات الحر الجوية تقريبًا، وأن ارتفاع حرارتها يعادل ثلث ارتفاع موجات الحر الجوية، لكنها تدوم نحو ضعف مدتها.

والأهم أن وتيرة تزايدها أسرع من موجات الحر في الهواء؛ ففي عام 2022 شهد النهر الأميركي المتوسط نحو موجتي حر إضافيتين مقارنةً بعام 1980، وكانت تلك الموجات تدوم أكثر بثلاثة أيام تقريبًا وأشد حرارة بدرجة فهرنهايت واحدة في المتوسط.

أظهرت الأنهار في جبال الروكي والشمال الشرقي أكبر الزيادات نتيجة تقلص الغطاء الثلجي الذي كان يمد الجداول بمياه ذوبان باردة.

ارتفاع درجات حرارة الهواء العامل الأقوى

ولمعرفة أسباب هذه الاتجاهات، استخدم الفريق نموذجًا آخر للذكاء الاصطناعي لتحديد العوامل المؤثرة في موجات الحر النهرية، فوجد أن ارتفاع درجات حرارة الهواء – خاصة الليلية – هو العامل الأقوى، إلى جانب انخفاض الثلوج والتدفقات المائية في المناطق الجبلية.

أما البنى التحتية البشرية كالسدود والزراعة فتلعب أدوارًا داعمة؛ إذ تطيل السدود موجات الحر بإطلاق مياه الخزانات الدافئة، بينما يمكن للري في بعض المناطق أن يبرد الأنهار عبر تعديل المناخ والهيدرولوجيا المحلية، لكن هذه التأثيرات الثانوية تبقى أقل من القوة المهيمنة لتغير المناخ.

في عالم يزداد دفئًا، تهدد موجات الحر النهرية بأن تصبح بعدًا حاسمًا غير مقدّر في ترابط المياه والطاقة والغذاء، خصوصًا مع تزامنها المحتمل مع انخفاض التدفقات المائية بسبب تقلص ذوبان الثلوج، ما يفاقم المخاطر على الحياة المائية ويزيد احتمالات النفوق الجماعي، ويؤثر مباشرة في إمدادات المياه والغذاء والطاقة.

على خلاف موجات الحر الجوية، لا تزال موجات الحر النهرية غائبة إلى حد كبير عن أنظمة المراقبة العالمية وخطط التكيف المناخي، ما يتطلب مزيدًا من جمع البيانات المنسق عالميًا وتبادلها بين الوكالات والدول، وإدماج اتجاهات حرارة الأنهار في تقييمات المخاطر المناخية.