رحيل آخر الشعراء الأربعة الكبار

ودعت يافع والجنوب واليمن  شاعرها الشعبي الكبير صالح غالب علي امشقِّي ، الذي انتقل إلى جوار ربه  بالعاصمة عدن في الأول من أكتوبر 2025م بعد أن ظل  لأشهر في وضع صحي حرج يصارع مرضه  تاركًا وراءه إرثًا شعريًا كبيرًا من التراث الشعري. 

لقد رحل آخر الأخوه  الكبار من أولاد الشاعر غالب علي امشقِّي وذلك بعد حياة حافلة بالنضال والعطاء الثقافي والإبداعي طوال أكثر من نصف قرن من خلال إسهاماته الهامة والفاعلة في ساحة الشعر الشعبي، حيث قدم الكثير من الأعمال الشعرية الشعبية التي ناقشت وتناولت الكثير من القضايا الوطنية والثورية والاجتماعية. 

ويعد صالح غالب  أحد أكبر الأسماء الكبيرة  في مجال  الشعراء الشعبي في يافع والجنوب واليمن بشكل عام ،

وُلد صالح غالب علي في قبيلة أهل امشقِّي بيافع سباح ، وتربى في بيئة  غنية  بالشعر، وينحدر عن عائلة ورث أبناؤها الموهبة الشعرية خلف عن سلف 
 فأبوه الشاعر غالب علي امشقِّي، وأخوانه ناصر والخضر وحمود جميعهم شعراء كبار .
وأولاد غالب علي امشقي الأربعة يعتبرون من الشعراء البارزين في يافع، وهم معروفون بمواقفهم الوطنية خلال فترة الكفاح المسلح للثورة الاكتوبرية، بالإضافة إلى مبادراتهم المجتمعية.
وقد مثل الفقيد  صالح غالب علي امشقي محافظة أبين  في صنعاء عاصمة الثقافة العربية 2004م، وكان له دور كبير في إصلاح ذات البين في يافع،  وكان له دور في المجال التربوي والتعليمي  والثقافي في مديرية يافع سباح، فقد شغل منصب مدير مكتب التربية والتعليم سباح في مديرية يافع سباح. ويُعرف بقدرته الفائقة على الارتجال السريع  ونظم الشعر الشعبي الذي يحمل بين طياته الكثير من المعاني السياسية والاجتماعية ، وخاصة في شعر والزوامل والرواجز. 
وكان له حضورا بارزا في العديد من المساجلات الشعرية مع كبار شعراء يافع، وكان شعره محط إعجاب الكثيرين.

وهنا نورد مقتطفات من كتاب بن رُبَّاح العلوي  يتكلم عن  الشاعر المرحوم حسين محمد بن رباح مع نظرائه المرحوم حمود غالب علي امشقِّي ،وشقيقه صالح غالب ،وحسين صالح قراشع في مناظرة شعرية نادرة  بمنطقة ضُبة أهل امشق بيافع سباح البداية في النزال كانت بزامل من نصيب الشاعر صالح غالب الشقي قال فيه:
حيا بكم ياذي سندتوا عندنا 
          ما سيّلة وادي ظُبة للموسطه (1)
وفي تواطيها سلامي للمحط
          كمن مفدَّم هيج فيها حططه(2)
وهتف الشاعر المرحوم حمود غالب علي الشقي بزامل  قال فيه:
حيا بكم ياذي ولبتوا للوسط
           ما دلْهَم الماطر ولشعاب اقحطه(3)
مزكن على لنسان ذي دق امغلط 
                والثور عاده بايرده مشحطه(4)
ثم هتف الشاعر حسين صالح قراشع بزامل شهير يتناقله الكثير من أبناﺀ يافع قال فيه:
اقرأ الرَّسالة كَمْ بَهْا عِدَتْ نُقَطْ
        لَوْ لَاْ النُّقَطْ مَا حَدّ عَرَفْ لِمْشَخْمَطَهْ(5)
شُفْ عَاْدَنَاْ بَاحُطْ وَاْبْركْ باْلْمَحَطْ (6)
            وَاٌطْلَعْ عَلى ذا الحَيْدْ لمَّا حِطْحَطِهْ
ثم رد الشاعر المرحوم حسين محمد بن رُبَّاح على زامل قراشع المشهور بزامل قال فيه:
حيا بكم ياذي سندتو عندنا 
            حيا رفاقي من ضُبة لا شيحطه(7)
يطلع على القمة ويسقط من سقط 
                  لا حد يغالطني ولا با غالطه

تم رد قراشع بزامل ثانٍ قال فيه 

الله يحيي كل من حيا بنا
              ما سيلت لشعاب لمَّا الموسطه
رَعْ عادني باقي وصامد بالمَحَطْ(8)
            بادوس فوق الحيد لما حطحطه(9)
ثم هتف الشاعر صالح غالب أبو جلال بزامل قال فيه :
أحياك ما حنت نميمات القشط (11)
        من شَلْ حمل الجَوْر وحده وقَّطه(12)
باقي معانا شهر للموعد فقط 
        والضّمْد من بَعَده بتوله يعفطه(13) 
وانهى المواجة الحادة صالح غالب الشقي بزامل آخر قال فيه :
احياك ياذي جِيْت في مهرى الحَمَط 
          بعد الوفاﺀ جبت الحنق والحرمطة
ماشف إلا في سلاكم والنشط 
           والسيف ما با تثلمه شي مقشطة
(1)ضُبة :منطقة في يافع سبَّاح ،وفيها تقع ديار ومساكن أهل الشقي.
(2)-مفدم هيج: جمل هائج ،والمقصود هنا رجال أشداﺀ صناديد.
(3)دلهم : تساقط المطر.والاشعاب اقحطه :سالت سيول جارفة.
(4)مشحطة : قطعة من خشب شجرة الشوحط توضع فوق عنق الثور عند حراثة الأرض.
(5)الشخمطة : الكتابة غير المفهومة.
(6)رَعْ عادني باقي: لا زلت ماجود ،ورع إشارة للفت الانتباه
(7)لما حططه: لما دمّره
(8) نميمات القشط: البنادق
حمل الجور: الحمل الثقيل 
وقطه: أصابه الاذى وأهلكه 
الضمد: الثور المتخصص في حراثة الأرض
البتول:عامل يعمل بالاجر اليومي 
يعفطه : يطرده

وهنا نورد مناظرة شعرية نادرة   من كتاب بن رُبَّاح العلوي،  في مناسبة زواج  التقى فيها مصادفة الشاعر الاسطورة   شائف محمد الخالدي وحسين محمد بن رباح الكلدي وصالح غالب الشقي في منطقة (نَخْرَة ) في سَبَّاح .
 
حيث قال الخالدي: 
مني سلام الفين قال الخالدي  
 وزن المطارح والجبال النايفة
ما اليوم قسَّمنا ويافع باسمنا  
 وانتم تبع خنفر وحد الطارفة 
رد ابن رباح: 
حيا بكم يا ذي سندتوا عندنا  
 ما تصبح الشرقي تهز العاصفة 
يافع وسط وابين معيَّ به سجل ( )   
 فكيف تنكرني وانا بو ناصفة
وفي المناظرة مداخلة للشاعر صالح غالب قال فيها: 
حيا بكم يا ذي سندتوا عندنا  
 ما الشرح والعيدان بيته عازفة( ) 
يشهد معي حِلْيَن( )وحيد المحجبة ( ) 
 والقارة ( ) النصبا عليهن نايفة

قال الخالدي: 
يا آهل المحط اتكاثرت شعَّاركم  
 وبعضكم لسَّاع مانا عارفه( ) 
الجيد يعجبني سلاتي للحوى  
 والفسل ذي يختان مابا ساعفه( ) 
وأنهى شاعرنا ابن رباح المواجهة الشعرية بقوله
باقول حيا الله قدوم الخالدي  
     قدنا بدوّر له متى با صادفه 

لا اهتز رأسي مِنَّهْ اٌهتَزْ الجبل 
 واٌلْحَيْدْ لَعْصَرْ ما َتهزُه نَاسَفِهْ

وفيما يلي بعض الزوامل بين الشاعر صالح غالب الشقي والشاعر عبد القوي العلوي الكلدي جرت بينهما في منطقة (سرحة بمنطقة رَخَمة) .
• صالح غالب الذي قال في زامله:

الله يحيي كل من حيا بنا 
 
 وحياك يا العارف مع طلابها 

من ذي حلاله في بلاد أهل الطرف 
 
 حيث الحناشة والحُمة بنيابها 

• ثم رد الشاعر عبدالقوي العلوي يقول:
حيابكم ياذه الشواعة مرحباً
 
 ما تكلمين أمقاص زين أسلابها 

من عند صابر بالمتاعب والمحن 
 
 برغي من الحية، وبكسر نابها 

• ثم قال الشقي:
الله يحيي كل من حيا بنا 
 
 ما الكوميه متحمله لصوابها 

من ذي حلاله في بلاد أهل الطرف 
 
 للنار لاصي عادني شلا بها 

• ثم أجاب العلوي يقول:

حيا بكم ياذة الشواعه مرحبا
 
 حيا النمارة ذي أوت لاغابها 

من عند ذي له خط بكتب بالحجر 
 
 ذي تعجز النقاش عن كسارها. 

مقتطفات 
قال بومزيدية ذي ما عرف طابع الناس
والزمن ما عرف طبعه وطبع السياسة
يعتبر ايدمي فاشل وما عنده احساس
ناقص الفكر ما يقطع بقيمة لباسه
في زمن كدّس الأحفاد والجهل كدّاس
وبيهدم جدار المعرفة من اساسه
والسرق من منابرهم يدقون لجراس
قصدهم يغرسون الجهل فينا غراسة. 

بن غالب علي نسألك ياساتر على كل حال
               سلمنا من المشكلة ذي سوّت لنا ام العيال
تبقى الشهد وجبهة غداء والكبدة من الصبح فال
        وان قلنا لها اتقشفي قالت زفروا بوجلال
والساعه اثنى عشر تبى من تاك الغصون الطوال
       حزمة قات بالجونية عمره ماوسع بالسلال
وان حاولت اوضح لها ردتّ في غضب وانفعال
   قالت راح وقت النكدّ قد نا في سنين القبال
لاتنصح ولاتنتقد ما في للنصائح مجال
         بتصرف على مشتهي واقناعي قضية محال
يارجال طفشت بي وأنته كل ليلة سؤال
      والجرعات متتابعة وأنته ما بجيبك ريال
لاماشي بجيبك شقا كن رجال مثل الرجال
        ذي تنهب شقا غيرها وبتكويه ظهر الطحال
قصدي بيت في العاصمة والسهرة لها اربع بدال
     وأولادي قده طبعهم مايبقون رزق الحلال
ما اريدك تشوه بهم أو تضرب بشغلي مثال
    أصل القرد قال المثل في عين امه أجمل غزال
قلنا العفو ياطيبة يكفي النصب والاحتيال
  بددتي أمل أسرتي لافيده ولا رأس مال
من يوم أجتمع شملنا رجعتي الحقيقة خيال
     يكفي انه وجد راتبي  واقضيتي على ي و دال
راعي نعمتك وانصفي شوفي كل شئ با يزال
        من قبل الحلم ينعكس هذا أسوأ الاحتمال
زاد الحوب بالعائلة والصبر انطوى ثم طال
    خذنا الحرّ والهاجرة وانتي جالسة بالظلال
ختمنا بذكر النبي ما يرعد وما السيل سال
      ذي به كلنا نقتدي المولى وبه الاتكال

وبرحيل الشاعر صالح غالب امشقِّي فقد خسر الشعر الشعبي وأحدا من أعلامه الكبار  لا يُشق غبار.
للحديث بقية