الإفراط في استخدام وسائل التواصل يقود الشباب والكبار إلى الشعور بالانعزال والوحدة
حتى كبار السن ليسوا بمنأى.. أكثر التصفح يعني شعورًا أكبر بالعزلة.. خبراء: التواجد الرقمي لا يعوض التواصل الواقعي

(أبين الآن) متابعات خاصة
دراسة جديدة تؤكد أن “دومسكرولينج” لا يعالج شعور الوحدة.
في عينة شملت بالغين أمريكيين تتراوح أعمارهم بين 30 و70 عامًا، وجد الباحثون أن الأشخاص الذين يتحققون من منصات التواصل الاجتماعي بشكل متكرر أو يقضون وقتًا أطول عليها هم أكثر عرضة للشعور بالوحدة.
وقد ثبت هذا النمط عبر جميع الفئات العمرية، فحتى الزيارات السريعة والاطلاع القصير تحمل نفس العلاقة بزيادة احتمالات الشعور بالانعزال.
قاد الدراسة الدكتورة جيسيكا جورمان من جامعة ولاية أوريجون، بمشاركة الدكتور براين بريماك، لتوسيع نطاق الأبحاث السابقة التي ركزت على الشباب إلى منتصف العمر وكبار السن.
تم نشر نتائج الدراسة في المجلة الدولية للأبحاث البيئية والصحة العامة. واعتمدت البيانات على أوزان إحصائية تمثل سكان الولايات المتحدة.
قياس الوحدة واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي
أبلغ المشاركون عن مدى تكرار استخدامهم لوسائل التواصل ومدة الوقت الذي يقضونه عليها.
التكرار يختلف عن المدة؛ الأول يقيس عدد المرات التي يتحقق فيها الشخص يوميًا، بينما الثانية تقيس طول الوقت الذي يقضيه في التصفح.
أظهرت الدراسة أن كلا السلوكين مرتبطان بنفس النمط: كلما زاد الاستخدام، زاد الشعور بالوحدة.
قال الدكتور بريماك: “لم أكن متأكدًا مما إذا كنا سنرى علاقة قوية بين وسائل التواصل الاجتماعي والوحدة لدى الستينيين كما رأينا لدى الثمانية عشر عامًا، لكن النتائج أكدت ذلك”.
وأضاف: “الأشخاص في الربع الأعلى من حيث تكرار استخدام وسائل التواصل كانوا أكثر عرضة للشعور بالوحدة بأكثر من مرتين مقارنة بالربع الأدنى”.
وسائل التواصل الاجتماعي والجيل الجديد
ليست مشكلة الشباب فقط
توقع الفريق أن يكون الرابط بين استخدام وسائل التواصل والوحدة موجودًا لدى المراهقين والشباب، لكن رؤية هذا الرابط لدى من هم قرب سن التقاعد تشكل إنذارًا مختلفًا.
يشير ذلك إلى أن الطريقة التي نستخدم بها هذه المنصات – سواء عبر فحص متكرر قصير أو جلسات طويلة من التصفح – قد تحل محل التواصل الواقعي أو تفشل في تحقيقه، بغض النظر عن العمر.
قالت الدكتورة جورمان: “تركز معظم الأبحاث السابقة على الشباب، لكن دراستنا أظهرت علاقة مهمة بين الوحدة وكثرة استخدام وسائل التواصل حتى بعد تعديل جميع العوامل الديموغرافية المقاسة”.
مخاطر الوحدة على الصحة
الوحدة ليست مجرد شعور سلبي، فهي مرتبطة بمخاطر أعلى للإصابة بأمراض القلب، الاكتئاب، تعاطي المواد، وحتى العنف الأسري.
وقد شبّه الجراح العام للولايات المتحدة تأثير الوحدة الصحي بتدخين 15 سيجارة يوميًا.
وكان الأمريكيون يعانون من ازدياد الوحدة قبل جائحة كورونا، وقد زاد الوباء الوضع سوءًا، حيث أفاد نحو نصف البالغين الأمريكيين اليوم بالشعور بالوحدة.شراء الفيتامينات والمكملات الغذائية
وبينما قد يبدو أن التواجد على وسائل التواصل يمكن أن يخفف من الوحدة، تؤكد النتائج الجديدة عكس ذلك.
كلما زاد الوقت أو عدد مرات التصفح على تطبيقات مثل تيك توك وإنستغرام وفيسبوك، زاد شعور الوحدة.
وقد أظهرت التقديرات أن بعض الأشخاص يتحققون من وسائل التواصل 100-200 مرة يوميًا ويقضون من ساعتين إلى أربع ساعات إجمالًا، رغم أن العديد من تلك التفاعلات قصيرة، إلا أنها تتجمع لتشكل تأثيرًا ملموسًا.
كبار السن أكثر عرضة
يشير الباحثون إلى أن البالغين في منتصف العمر وكبار السن هم “مهاجرون رقميون” وليسوا من مواليد العصر الرقمي.
قد يكونون أقل إلمامًا بالقواعد غير المكتوبة للتواصل عبر الإنترنت، أو أكثر ميلاً لاستبدال الوقت الواقعي بالوقت الرقمي، مما يجعل الفجوة بين الوقت أمام الشاشة والانتماء الحقيقي أكثر وضوحًا مع التقدم في العمر.
قال الدكتور بريماك: “لم تُجرَ دراسات كافية على البالغين الذين يستخدمون وسائل التواصل بشكل مكثف ويعانون من آثار الوحدة”.
وأضاف: “هذه الدراسة ارتباطية، ولا يمكننا القول بأن استخدام وسائل التواصل يؤدي مباشرة إلى الشعور بالوحدة، فقد يكون الأشخاص الوحيدون هم من يلجأون أكثر إلى هذه المنصات، وربما يجتمع الأمران معًا”.
الحاجة لمزيد من الأبحاث
الدراسة ليست تجربة مخبرية، بل رصدية، ما يعني أن اتجاه العلاقة بين السبب والنتيجة غير محدد بعد.
حاول الفريق استبعاد المؤثرات الواضحة مثل الجنس، العمر، التوجه الجنسي، التعليم، العمل، والحالة الزوجية، وبقيت النتائج ثابتة. لكن قد تلعب عوامل غير مقاسة دورًا أيضًا.
وقالت الدكتورة جورمان: “لا يمكن للدراسة تحديد سبب العلاقة بدقة، لكنها توصي بالحذر من الاستخدام المكثف لوسائل التواصل، كما تشير إلى أن الأشخاص الوحيدين الذين يلجأون أكثر إلى المنصات لا يخففون شعورهم بالوحدة”.
خطوات لتخفيف الشعور بالوحدة
إذا كنت تشعر بالعزلة، فإن المزيد من التصفح ليس الحل، استخدم وسائل التواصل لإشعال التواصل الواقعي – أرسل رسالة صوتية، رتب مكالمة، أو حدد موعدًا للقاء، ثم ابتعد عن الشاشة.
خصص أوقات “خالية” يوميًا، خاصة في المساء، استبدل بعض التصفح بنزهات قصيرة، أو القيام بمهمات مع صديق، أو الالتقاء بالعائلة.
بالنسبة لمقدمي الرعاية الصحية وأصحاب العمل، الخلاصة بسيطة: اسأل عن الوحدة في الزيارات الروتينية واعتبرها أمرًا طبيعيًا.
وفر طرقًا بسيطة للتواصل الواقعي مثل الدروس الجماعية، الدعم الزملائي، وفرص التطوع. اعتبر الاستخدام المكثف لوسائل التواصل إشارة للتنبه وليس فشلًا.
الخلاصة واضحة: تطبيقات التواصل قد تبقيك مسليًا ومطلعًا، لكنها ليست علاجًا للشعور بالوحدة.