سورة الإخلاص.. التوحيد الذي حرر الإنسان من عبودية السلطة
بقلم: صفاء المليح
في زمنٍ امتلأت فيه الأرض بالأصنام، لم تكن الحجارة وحدها تُعبَد، بل كان البشر أنفسهم آلهة تُطاع. زعماء القبائل، والكهنة، وأصحاب النفوذ كانوا يتحدثون باسم الآلهة ليحكموا العقول ويستعبدوا الناس.
وفي خضمّ هذا الظلام، نزلت سورة قصيرة، لكنها كانت أقوى بيان تحرري في التاريخ:
"قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ"
بهذه الكلمات الأربع، سقطت كل الأصنام السياسية والدينية. لم يعد لأحدٍ حقّ أن يُنصّب نفسه ظلًّا لله في الأرض، ولا أن يتحكم في الناس باسم القداسة أو الوراثة أو العصمة.
لقد أعلنت السورة أن السيادة المطلقة لله وحده، وأن كل سلطة بشرية يجب أن تبقى في حدود الحق والعدل.
> "اللَّهُ الصَّمَدُ"
أي أن القوة والاعتماد الحقيقي ليس في السلاح أو المال أو القبيلة، بل في الله الذي تقف عند بابه كل الحاجات.
سياسيًا، إنها رسالة إلى كل طاغية: أنت لست مصدر القوة، أنت بحاجة إلى الله كما يحتاج أبسط الناس.
ثم تقول:
"لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ"
وهي ضربة موجعة لكل فكرة سلالية أو وراثية تُبرّر الحكم بالدم والنسب. فالله لا يُورّث ملكه، ولا يخصّ بسلطانه سلالة دون أخرى. العدالة الإلهية لا تعترف بالتمييز، بل بالمسؤولية.
"وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ"
بهذه الجملة، تسقط أوهام التفوق. فلا حاكم فوق الناس، ولا زعيم فوق النقد، ولا أحد يملك العصمة من الخطأ. كلهم بشر أمام الله سواء.
سورة الإخلاص ليست مجرد سورة تُتلى في الصلوات، إنها مانيفستو حرية، وثورة فكرية ضد كل أشكال العبودية السياسية.
تُعيد ترتيب الولاء في قلب الإنسان، من ولاءٍ للسلطة إلى ولاءٍ للحق، ومن خوفٍ من البشر إلى خشيةٍ من الخالق.
ولهذا، من فهم "قل هو الله أحد" حق الفهم، لا يمكن أن يركع إلا لله، ولا يبايع إلا العدل، ولا يقدّس إلا من خلق الإنسان حرًّا.