في أربعينية رجل الجندية والانتماء

حلّ الاثنين، السادس من أكتوبر 2025م، مرور أربعين يومًا على رحيل العميد الركن سالم عمر باشادي، أحد القادة العسكريين الذي غيبه الموت في الثامن والعشرين من أغسطس الماضي بمدينة عدن، بعد حياةٍ حافلة بالعطاء والإخلاص، عاشها مؤمنًا بأن خدمة الوطن شرفٌ لا يوازيه شرف.
لم يكن العميد الركن سالم باشادي مجرد ضابطٍ في صفوف المؤسسة العسكرية ، بل كان رمزًا للانضباط والكفاءة والنزاهة، وواحدًا من الكفاءات التي صنعت حضورًا مميزًا في سلاح الصواريخ، حيث برز ضمن نخبة من رجال الجيش الذين كرّسوا حياتهم دفاعًا عن الوطن وإنسانه.. وقد تميّز بقدرته القيادية العالية، وبقدرته على الجمع بين الحزم العسكري وحكمة القرار، فكان القائد الذي يدير مهامه بعقلٍ راجح وروحٍ وطنية صادقة، مؤمنًا بأن الجندية ليست رتبة تُعلَّق على الكتف، بل مسؤولية تُحمَل في القلب والضمير ، وأن الوطن لا يُصان بالشعارات، بل بالوفاء والتفاني في خدمته.

برز اسم العميد باشادي أيضًا في الميدان الوطني والاجتماعي، حيث كان من الوجوه الحضرمية التي ساهمت في تأسيس مؤتمر حضرموت الجامع، وتولّى فيه رئاسة دائرة الأمن والدفاع في الأمانة العامة، مقدّمًا نموذجًا للعمل المؤسسي المسؤول، والسعي الدؤوب نحو ترسيخ مبادئ التعاون والتكامل بين أبناء حضرموت.. ومن خلال موقعه، أسهم - مع زملائه العسكريين والأمنيين الحضارم - في بلورة الرؤية الأمنية والدفاعية لمؤتمر حضرموت الجامع ، واضعًا نصب عينيه هدفًا واضحًا : تعزيز الأمن والاستقرار بما يلبّي تطلعات حضرموت وأهلها ويحمي مصالحهم.

كان العميد باشادي - رحمه الله - يؤمن أن الدفاع عن الوطن لا يقتصر على حمل السلاح، بل يمتد إلى الكلمة الصادقة والموقف النزيه.. لذلك، ظلّ حريصًا على بناء جسور الثقة مع مختلف الأجهزة الأمنية والعسكرية، متسمًا بهدوئه واتزانه، وصوته العاقل الذي يرجّح المصلحة العامة على كل اعتبار.

عرفه كل من تعامل معه قائدًا حازمًا وإنسانًا متواضعًا، قريبًا من الناس رغم مكانته، يجمع بين هيبة الضابط ونقاء السريرة.. ظلّ وفيًا لمبادئه، نزيهًا في قوله وعمله، لا تغيّره المناصب ولا تُغريه الألقاب، مؤمنًا بأن المسؤولية العامة أمانة لا مجال فيها للمكاسب الشخصية.

وفي ذكراه الأربعين، لا تُختتم مسيرته بل تتجدّد ذكراه.. كأحد أولئك الرجال الذين لا يغيبون بغيابهم، بل يبقون حاضرِين بما زرعوه من قيمٍ ومآثر، وبما خلّدوه من مواقف .. وفي القلوب التي أحبّته، يبقى الدعاء له حاضرًا، والوفاء لذكراه واجبًا لا ينقطع.