ازدواجية الولاء والرحلات العائلية: ثمن وجود الجنوب في "جمهورية" بلا هوية.

بقلم: د. مرسي أحمد عبدالله

تعيش اليمن اليوم تحت نير انقسام لا يقف عند حدود الجغرافيا أو الصراع المسلح، بل يمتد إلى الوجدان السياسي والشعور بالخديعة. لقد كانت الوحدة اليمنية التي أُعلنت في عام 1990 مشروعًا عظيمًا ووعدًا طموحًا، لكنها تحولت—في نظر الكثيرين من أبناء الجنوب—إلى قيد سُلط عليها عام 1994، ومنذ ذلك الحين، أصبحت ورقة تُستخدم لإجهاض أي محاولة لتقرير المصير.

الخديعة في نسختين

اليوم، يقف الجنوب أمام وضع عبثي: دولة واحدة متنازع عليها، لكنها تتجسد في سلطتين رئيسيتين، كلاهما تقودهما أجندات شمالية أو تُشرف عليها قيادات شمالية بارزة، مما يُرسّخ المكر السياسي:

 * النسخة الأولى (صنعاء): سلطة أمر واقع تفرض مشروعًا كهنوتيًا جديدًا لا يعترف بالجنوب ولا بالشراكة، وتمثل خصمًا واضحًا يسهل التعامل معه.

 * النسخة الثانية (عدن): هي الحكومة المعترف بها دوليًا، التي يفترض أن تمثل الشراكة الوطنية. لكن وجود قيادة شمالية على رأس هذه الشرعية (ممثلة في مجلس القيادة الرئاسي)، يراه الجنوبيون إصرارًا على تطويق القضية الجنوبية. يُنظر إلى هذا الهيكل على أنه أداة تُستخدم لتأكيد الالتزام الدولي بمبدأ "وحدة اليمن"، وبالتالي طمس حتمية استعادة الدولة الجنوبية.

النتيجة هي أنه بدلًا من مواجهة انفصالية صريحة بين طرفين، يجد الجنوبيون أنفسهم محبوسين داخل إطار "الجمهورية اليمنية" مرتين: مرة بالقوة في الشمال، ومرة بالإكراه السياسي في الجنوب عبر شراكة يرونها غير متكافئة.

ازدواجية الولاء: طعنة في الخاصرة

ما يزيد هذا الشعور بالخديعة عمقًا هو ما يُروى عن تراخي وفساد بعض المسؤولين الذين يُمثّلون الشرعية في عدن. كيف يُمكن للمسؤولين في جبهة يُفترض أنها في حالة حرب وجودية مع صنعاء، أن يتنقلوا بين عدن وصنعاء لحضور "زواج أو واجب عزاء"؟

هذا السلوك لا يعكس مجرد فصل بين الخاص والعام؛ بل يجسد ازدواجية الولاء ويُلقي بظلال كثيفة من الشك حول جدية الصراع والهدف منه. بالنسبة للجنوبي الذي دفع الثمن الأكبر في الحرب، فإن رؤية المسؤولين يتصالحون اجتماعيًا مع الخصم، بينما تبقى قضيته معلقة، هي طعنة في الخاصرة تؤكد أن الصراع برمته قد يكون مجرد لعبة سلطة بين أقطاب الشمال، وأن الجنوب هو مجرد ساحة لتصفية الحسابات أو ورقة تفاوض.

إن المكر يكمن في إبقاء الجنوب مُقيّدًا ضمن نظام يحكمه، حتى في حال "التحرير"، ولا يرى له مخرجًا إلا بتفكيك هذه الهياكل والعودة إلى نقطة ما قبل 1990، وهو الخيار الذي يظل مُعلقًا بانتظار إرادة دولية تُنصف إرادة شعب.