ما بين غزة وفيتنام ،،
بقلم د. سعيد سالم الحرباجي
شنت أمريكا وحلفاؤها من الغرب حرباً ظالمة ضد الشعب الفيتنامي منتصف القرن الماضي استمرت حوالي (عشرين عاماً )
وفي المقابل خسر الفيتناميون حوالي ( مليوني قتيل ) وملايين المصابين ، والمشردين .
كما أسفرت الحرب عن دمار يفوق الخيال ، نتيجة استخدام الأسلحة الكيماوية .
ولكن في نهاية المطاف غادر الأمريكان
فيتنام يجرون ذيل الهزيمة مخلفين وراءهم زُهاء( 58 ) ألف قتيلاً ، وأصيب الآلاف، ناهيك عن الخسائر الكبيرة في العدة والعتاد .
كل تلك التضحيات، وكل تلك الخسائر الضخمة ... قدمها الفيتناميون دفاعاً عن وطنهم ، وذوذاً عن أعراضهم ، وطلباً لحرياتهم .
اليوم أهلنا في غزة يدافعون عن مقدساتهم و أعراضهم ، وعن حرياتهم وعن كرامتهم
و يقاتلون عدواً يهودياً يسعى لطردهم من أرضهم ، ولتدنيس مقدسات المسلمين .
ومع ذلك ترى كثيراً من منحرفي الفكر
يعيب عليهم مقاومتهم ، وينال من تضحياتهم ، ويستنقص جهدهم وجهادهم !!!
فعجباً لحالهم !!!
هل يرى أولئك المخبولون أنَّ صمود ثوار فيتنام عشرين عاماً كان جريمة بحق الشعب ؟
وهل كانت التضحية ب ( اثنين مليون إنساناً ) فضلاً عن المصابين ، والمعاقين ، والمشردين ، والدمار الكبير.... كان خطأً يتحمله الثوار ؟
لم نسمع عن أحد من الشعب الفيتنامي أنَّه انتقد المقاومة أو انتقص من جهدهم أبداً ، أبداً ..
بل كان الشعب حاضنة آمنة للثوار ، ورديفاً مآزراً للمقاومين .
فتحمَْل الشعب الفيتنامي مرارة الحرب ، وقسوة الحصار ، وانعدام الخدمات ، وجحيم القنابل الحارقة...(عشرين عاماً) ولم يخضع ولم يذل ، ولم يستسلم حتى نال حريته ، واسترد كرامته .
فعلوا كل ذلك ....
لا تحت راية لا إله الا الله ، ولا بدافع الجهاد في سبيل الله ، ولا بطمع في جنة الله ...
وإنما بدافع الوطنية ، ورفضاً للعبودية ، وعشقاً للحرية.
ومن قبلهم فعل الشعب الجزائري في حربه ضد الفرنسيين وخاض حرباً ضروساً ابتدأت عام ( 1954م - 1962 م ) استمرت الثورة سبعة أعوام حتى تمكنوا من طرد الفرنسيين .
وخلال مسيرة النضال قدم الشعب الجزائري أكثر من مليون شهيداً .
فلم نسمع عن جزائري واحد يقول أنَّ تلك التضحيات كان عبثاً بحق الشعب الجزائري ، بل على العكس تماماً ، فالشعب الجزائري يحتفي كل عام بذكرى الاستقلال تقديراً لتلك التضحيات .
فكيف نعيب على أهلنا في غزة أن يقاوموا محتلاً دخيلاً، وعدواً لله ولرسوله ( ص )
أوجب الله جهاده ، ومقاتلته ؟؟؟!!!
ضف إلى ذلك أنهم يقاتلون تحت راية لا إله الا الله ، وطمعاً في رضاه والفوز بجنته .
العامل المشترك بين مقاومة الشعب الفيتنامي ، ومقاومة أهلنا في غزة ....هو رفض العبودية ، وعشق الحرية الذي يرخص له الغالي والنفس ...
والفارق بينهما أنَّ ثوار فيتنام كانوا يتلقون دعماً مباشراً من الصين ، والاتحاد السوفياتي ، وكان لديهم مساحات شاسعة يتنقلون من خلالها أثناء حرب الأمريكان.
أما أهلنا في غزة فالعالم كله يحاربهم ، وهم يعيشون حصاراً مطبقاً من كافة الاتجاهات . ومع هذا قرروا عدم الرضوخ ، وعدم الاستسلام
، وعدم المهادنة .
وها هم اليوم يَرْغُمون قوى الشر العالمية أن تنزل عند رغبتهم ، ويعقدون معهم صلحاً لوقف الحرب ، ورفع الراية البيضاء ، وهم لا تزال أصابعهم على الزناد حتى هذه اللحظة.
فبمقارنة سريعة بين تضحيات أهلنا في غزة ، وتضحيات الشعب الفيتنامي..
نجد أنه ليست ثمة مقارنة بين الشعبين ..
انتصر الشعب الفيتنامي بعد حرب طويلة استمرت ( عشرين عاماً ) بينما حرب غزة ...توقفت بعد عامين اثنين .
خسر الفيتناميون ( مليوني قتيلاً ) ..
ووصلت خسائر غزة إلى أقل من مائة ألف شهيد .
السؤال الذي يطرح نفسه على الجميع :
هل ترون أنَّ التضحية باثنين مليون إنساناً يعتبر عبثاً .... كي ينال شعب (ما ) حريته ، وكرامته ؟
الذي أكاد أجزم به ...
أنَّ الأحرار سيقولون: أنَّ الحرية يرخص لها الغالي والنفيس .
أما الجبناء ، والضعفاء ، والخوارون ، والعبيد..
فستكون إجابتهم : لا داعي للتضحية ولو بشخص واحد ، طالما نحن نأكل ، ونشرب ...ولو داس على رقابنا يهودي نجس .
فهذا هو الفرق بين عشاق الحرية ، ومطأطي الرؤوس من العبيد .
فليس هناك مبرر لمنتقدي جهاد أهلنا في غزة ، ولمانعي حتى الدعاء لهم في المساجد، ولقامعي المظاهرات المؤيدة لجهادهم .......
إلا أن يكونوا سائرين في فلك اليهود ، أو منفذين لسياستهم ، أوشاربين من منهلهم .
وقد فضحتهم شعوب العالم الكافرة بوقوفهم إلى جانب أهلنا في غزة ، بل وخاطر البعض بحياته لأجل كسر الحصار الظالم الذي يفرضه اليهود عليهم .
فخلال عامين خرجت أكثر من (50) ألف مظاهرة في عواصم العالم دعماً لصمود أهلنا في غزة ، وبعض قادة الدول اتخذوا إجراءات صارمة ضد اسرائيل.
رحم الله أبا الطيب المتنبي حينما قال :
يَرى الجُبَناءُ أَنَّ العَجزَ عَقلٌ*
وتِلكَ خَديعَةُ الطَبعِ اللَئيمِ
وَكُلُّ شَجاعَةٍ في المَرءِ تُغني*
وَلا مِثلَ الشَجاعَةِ في الحَكيمِ
لذلك كانت الحرية عزيزة ...
لا ينالها إلا ذوو الههم العالية ، والنفوس الابية.
ألا فليخسأ العبيد عندما يتكلم الأحرار .
تحية لأهلنا في غزة بحجم الكون ..
وصدق الله حيث يقول:
{ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون}