تغيير مسار الطريق إلى الساحلي في أبين.. قرار ارتجالي وغير مدروس
بقلم / جهاد حفيظ
لا يمكن لأحد أن ينكر مأساوية طريق العرقوب وما خلّفته من آلامٍ لا تُمحى في ذاكرة الناس، بعد أن حصدت تلك المنعطفات القاسية أرواحَ أبرياء كانوا في طريقهم إلى أهاليهم.
ولعلّ الحادث الأليم الذي راح ضحيته ركاب حافلة الباص القادمة من السعودية شكّل صدمةً كبيرة وأعاد فتح جراحٍ لم تندمل، فكانت تلك المأساة المؤلمة محطّةً إنسانية مؤرقة فقدنا فيها الكثير، لكنها أيضًا كانت جرس إنذارٍ مؤلم دفع الجميع إلى النقاش والتحليل وتشكيل لجانٍ متعددة خلصت نتائجها في النهاية إلى تحويل مسار طريق الحافلات فقط دون أي حلول جذرية تُذكر.
ورغم الجهود التي بُذلت بعد الحادث، إلا أن تلك الجهود انحرفت عن مسارها الحقيقي، فبدلاً من معالجة مكامن الخطر في الطريق نفسه، اتُخذ قرارٌ مفاجئ بتحويل الطريق بالكامل إلى الطريق الساحلي، في خطوةٍ يمكن وصفها بأنها قرار ارتجالي وغير مدروس لم تُحسب تبعاته بعناية.
لقد انتقلنا من مأساة الحوادث إلى مأساةٍ أخرى عنوانها العزلة والمعاناة والحرمان.
فالمسافة التي كانت لا تتجاوز 200 كيلومتر في الطريق السابق، أصبحت الآن تتجاوز 500 كيلومتر عبر الطريق الساحلي الجديد من مفرق شقرة إلى عتق!
هذه الزيادة ليست مجرد أرقام، بل هي أعباء مضاعفة على المسافر من وقتٍ مهدور وتكاليف وقود مرهقة، ناهيك عن الإرهاق الجسدي والمعنوي الذي يجعل من كل رحلة اختبارًا للصبر والمعاناة.
أما الأكثر إيلامًا، فهو ما يمكن وصفه بـ العقوبة الجماعية التي طالت ثلاث مديريات حيوية في محافظة أبين هي المحفد، ومودية، ولودر، والتي كانت تعتمد على هذا الطريق كـ شريانٍ للحياة والحركة والتجارة.
إن حرمان هذه المديريات من طريق العبور يعني شللاً اقتصاديًا واجتماعيًا متعمدًا، يُضاف إلى واقعٍ يعاني أصلًا من ضعف الخدمات والتهميش.
لقد طالب المواطنون في وقتٍ سابق بتحسين السلامة على طريق العرقوب من خلال توفير سيارات إسعاف، وإصلاح اللوحات المرورية، وتثبيت الموانع الجانبية، وتشديد الرقابة على سائقي الحافلات.
كانت المطالب تهدف إلى الإصلاح والتأمين لا إلى الإغلاق والحرمان. لكن للأسف، فُسرت تلك المطالب على نحوٍ معكوس، فتحوّل الحل المطلوب إلى عقوبة جماعية لمجتمعٍ بأكمله.
إن تحويل مسار الطريق إلى الساحلي لا يمكن اعتباره حلًا بقدر ما هو هروب من مواجهة المشكلة الحقيقية.
فبدلًا من معالجة الخطر في موقعه، تم نقل المعاناة إلى مساحة أوسع، وتحميل المسافرين وأبناء المديريات كلفةً لا مبرر لها.
إن الحل الحقيقي لا يكون بإغلاق الطرق، بل بتأمينها وصيانتها وضبطها بما يضمن سلامة الجميع دون التضحية بحق أي مواطن في التنقل والعيش الكريم.
وعليه، فإن المطلوب اليوم من الجهات المختصة هو مراجعة هذا القرار الارتجالي، وإعادة النظر فيه بجدية ومسؤولية، لأن القرارات التي تمس حياة الناس اليومية لا تُتخذ بردة فعل، بل بالدراسة والتخطيط والحكمة.
فأبين تستحق طريقًا آمنًا... لا طريقًا بديلًا من المعاناة.


