من أنا؟

بقلم: حسين السليماني الحنشي

سألت يومًا الأرض التي أمشي عليها، فلم تجب. نظرت حولي، فرأيت الجبال، وكان الخوف يسكنها مثلي. سألتها: "لماذا يبدو عليكم الخوف يا جبال؟ 
وهل تعرفون من أنا؟" صمتت الجبال صمتًا طويلًا جدًا. فقلت: "أنتم رموز القوة والصلابة." لكنها نكست رؤوسها ولم تجب.
رأيت من خلفها البحر الكبير بلونه الأزرق. قلت: "أنت الذي تعكس السماء والليل والنهار، تعيش ـ صيفًا وشتاءً ـ دون ملل. من أنا أيها البحر الزاخر؟" بدا البحر غاضبًا، غضبًا لم يره أحد من قبل. لم يجبني، فكررت سؤالي: "أيها البحر العميق، أيها البحر الكبير." قال: "لست كما تظن، لقد دُمرت، ولم أعد أستطيع مساعدة أحد. القراصنة أفسدوا أعماقي وأخذوا كل شيء. لم أعد كما كنت!" فتملكني اليأس.
حلّ الليل، فسألته: "من أنا أيها الليل؟" لم يجب، وكان الصمت يخيفني. زاد خوفي عندما سمعت أصواتًا تتأوه. جاء الفجر، ورأيته وحشًا مخيفًا. سؤالي بدا كأنه سؤال يهددني. فحاولت الهرب من الجميع.
كانت الأشجار تنادي: كيف تسأل وأنت السؤال! فقلت: كيف أنا السؤال؟ فقالت: ألم ترَ كيف زينت الشظايا جسدك؟ والجوع أبرز ضلوعك؟ فصرت نحيلًا لا تقوى على شيء. فنظرت إلى طوابير كثيرة تسأل أسئلة كثيرة، وهي في كل شارع. فكان جفني بعدها لا يعرف النوم، أمن الحر أم من الحرب أم من الجوع والمرض؟!...
فعلمت أنني الموؤود من بين الشعوب حيا وأنا أنازع من أجل الحياة تحت كوم من الآلام... فكنت أقرب ما أكون خارج منزلي، وكان رفيقي الرياح والأمطار... فنظرت إلى وطني، فرأيت دموعًا تؤرقه، فكان جسدي يعكس كل الألوان، إلا أن أعيش بقوة وأنا من تحيط به الحيطان بلا سماء... فعلمت أنني أعيش كمسجون، أثقلتني همومي، وعيوني التي لا تزال تسيل دموعها...
للأسف الشديد، كانت خفافيش المساء التي عكّرت كل أوقاتنا... فمات كل شيء عندنا! وعشت سؤالًا من بين الشعوب!