حين يطرق الضعف أبواب القلب الصلب: شهادة رجل لم ينكسر إلا أمام الحب

 بقلم: _محفوظ كرامه

في حياة امتدت لأكثر من ستين عامًا، لم يكن الضعف يومًا ضيفًا مرحبًا به في وجدان _منصور بلعيدي_ —رجل واجه السجون، فقد الوظيفة، نجا من محاولات اغتيال، ودفن أولاده بيديه، لكنه ظل واقفًا، شامخًا، لا ينحني للعواصف ولا يتراجع أمام المحن. حتى جاء اليوم الذي انكسر فيه… لا أمام سجن ولا رصاصة، بل أمام فقدان رفيقة العمر.

_منصور بلعيدي_ ليس مجرد اسم، بل هو قصة صمود في وجه التاريخ.
في 26 يونيو 1978، حين أُطيح بالرئيس الأسبق سالمين، سُجن منصور وكادت حياته أن تنتهي، لكنه خرج أقوى.
وفي يناير 1986، نجا من الموت بأعجوبة في منطقة الراحة كما يروي، وظل صامدًا.
طُرد من عمله، عاش مشردًا، فقد أولاده، ومع ذلك لم يضعف.
كان يواجه الحياة كمن يلاكمها بيديه العاريتين، ويخرج منها كل مرة أكثر صلابة.

لكن حين رحلت زوجته، لم يعد ذلك الجبل كما كان.
قوة لا تُهزم حين جاء الفقد.
لم يكن الفقد عاديًا، بل كان انهيارًا داخليًا، صامتًا، وزلزالًا مدمّرًا، وجرحًا غائرًا لا يندمل.
يقول منصور: _"كانت كل شيء في حياتي، لا أتصور الحياة بدونها."_
جملة تختزل عشرات السنين من الحب، والحياة المستقرة، والسكينة، وراحة البال… لكنها انهارت دفعة واحدة.
وكأن كل الضربات السابقة كانت تمهيدًا لهذه الضربة الأخيرة التي هدت ما تبقى من عزيمته.

في لحظة صدق نادرة، يعترف _منصور بلعيدي_: _"لأول مرة، أشعر بالضعف الحقيقي."_
لم تعد قواه تحتمل، ولم يعد قادرًا على الاعتناء بالآخرين كما اعتاد، بل بات بحاجة لمن يعتني به.
وهنا يطرح سؤالًا وجوديًا: هل الشعور بالضعف حالة إنسانية عامة، أم أنه تفرد بها؟
ربما يكون هذا السؤال هو جوهر التجربة الإنسانية.
فالضعف ليس عيبًا، بل هو جزء من تكويننا كبشر.
نحن نُخلق من مشاعر، من حب، من فقد، من حنين، ومن قدرة محدودة على الاحتمال.
وما مرّ به _منصور بلعيدي_ ليس ضعفًا بقدر ما هو تجلٍ للإنسانية في أبهى صورها.

ومن قلب الألم، يقدم لنا منصور بلعيدي درسًا في الحياة.
فشهادته ليست مجرد سرد لمآسي شخصية، بل هي درس عميق في معنى القوة والضعف.

فالقوة ليست في عدم السقوط، بل في القدرة على النهوض بعد السقوط.
والضعف ليس نهاية، بل بداية لفهم أعمق للذات وللآخرين.

إنها لحظة تأمل في معنى الحياة، في قيمة الحب، وفي هشاشة الإنسان مهما بدا صلبًا.
وربما يكون هذا الاعتراف بالضعف هو أعظم قوة يمكن أن يمتلكها الإنسان.

نسأل الله الثبات _لمنصور بلعيدي_ ، ولكل من مرّ بتجربة الفقد.
فالحياة لا تُقاس بعدد الضربات التي نتلقاها، بل بقدرتنا على الاستمرار رغمها.
ومنصور، رغم كل شيء، لا يزال يكتب، يتأمل، ويمنحنا من تجربته ما يجعلنا أكثر إنسانية.

*والسؤال المهم:*
هل مررت بلحظة شعرت فيها أن قوتك بلغت حدّها؟ولم تعد تكفي ؟