من بيروت إلى عدن: كيف انتهى فرحان، رمز المقاومة، برصاص الطغمة الغادرة

من بيروت إلى عدن: كيف انتهى فرحان، رمز المقاومة، برصاص الطغمة الغادرة

(أبين الآن) كتب | عبدالله الدياني

من قرية أمخديرة، تلك البقعة الضاربة في جذور عرين دثينة التاريخي، خرج الطفل الذي سيُعرف لاحقًا بواحد من أصدق أبناء الثورة والعروبة: علوي حسين أمسعيدي، الذي صار اسمه الحركي في ساحات الفداء (فرحان).

من شوارع عدن إلى أزقة بيروت ومدن فلسطين، ومن العواصم العربية إلى أبعد بقاع الأرض، حمل بندقيته ووعيه ويده الثائرة حيثما كان العدو الصهي...وني حاضرًا ومتربصًا.

لم يترك وراءه قصورًا ولا ثروة، بل إرثًا نادرًا من الشرف والنزاهة والبطولة. كان عفيفًا، لا يملك غير منزله العائلي الذي حصل عليه ضمن خطة الإسكان العام، وكأنه أراد أن يغادر الحياة كما دخلها: نظيف اليد، مرفوع الرأس.

تولى مسؤولية جهاز الأمن الخارجي لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وأسّس معسكرات تنشيط الثورة في بيروت والبقاع ونيروبي، وعدد من دول أوروبا الشرقية. وكان حضوره نافذًا في قلب القضية الفلسطينية، إذ كان عضوًا في اللجنة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وقياديًا في حركة فتح، وعقيدًا في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وعضو شرف في منظمة الجيش الأحمر الياباني. ولم يكتف بالموقف، بل أعطى أبناءه أسماء عربية فلسطينية: أبو العباس، وأبو إياد، وأبو زياد، وأبو لميس. كما ربطته علاقات وثيقة بالحركات الثورية الأممية من آسيا إلى أميركا اللاتينية.

وحين جرى اعتقاله، شرع رفاقه في الجبهة الشعبية، ومعهم رفيق دربه كارلوس، في التخطيط لعملية فدائية سرية لاقتحام سجن الفتح في عدن وتهريبه. غير أن الخطة سُرِّبت قبل التنفيذ، ويُرجَّح أن الموساد الإسرائيلي كان على صلة بالمعلومات التي وصلت إلى عدن عبر عناصر مندسة داخل أجهزة الأمن، ممن ارتدوا عباءة المزايدة الوطنية.

والعديد من هؤلاء كانوا امتدادًا لشبكات زرعها الاستعمار البريطاني في الجنوب، مهمتها نخر اليمن الديمقراطية من الداخل، خصوصًا خلال الحقبة التي نشط فيها جاسوس المخابرات البريطانية السير همفري اليهودي الإنجليزي من عائلة تريفليان اليهودية الشهيرة، الذي فر من مصر بعد ثورة 1952 وانتقل إلى عدن، مخلفًا شبكة ولاءات واستخبارات لا تزال آثارها حاضرة. وبمجرد أن تسرّبت الخطة، سارعت الطغمة الغادرة إلى تصفيته قبل أن يتمكن رفاقه من الوصول إليه.

في فجرٍ بارد من يناير 1987، وعند الساعة الرابعة صباحًا، مضى فرحان إلى موته الذي لم يخشَه يومًا، بصحبة رفاق دربه:

 • المناضل الدكتور فاروق أحمد علي،

 • الشاعر الثوري وعضو اللجنة المركزية زكي بركات الذي بُترت أصابعه تحت التعذيب الوحشي،

 • والقائد المناضل مبارك الدياني.

كانت تلك الزيارة الوحيدة التي سُمح لعائلته بها قبل التنفيذ، وجاءت بوساطة من ياسر عرفات. لم يطلب شيئًا لنفسه، بل طلب أن يُسمح لهم بتناول المعصوبة بالعسل، تلك الوجبة البدوية الشهيرة التي أحضرتها عائلته، فاقتسمها مع رفاقه كأنها عشاء الوداع الأخير… ثم مضوا في صمت الشجعان.

ذلك هو فرحان:

رجلٌ عاش كبيرًا، ومات وفي قلبه فلسطين، وعلى كتفيه اليمن الديمقراطية، وفي ضميره العروبة كلها والأممية الحرة ...