صرخة في وجه الغلاء والعبث!.. من يسمع أنين الجياع؟

في وطنٍ كان يُعرف بكرم الأرض وطيبة الإنسان، يعيش المواطن الجنوبي اليوم فصولًا من معاناةٍ لا تنتهي. فكل صباحٍ يشرق على الجنوب الحبيب، يحمل معه موجةً جديدة من الغلاء، وجرعةً إضافية من الوجع، وكأنّ الزمن قرر أن يكون شاهدًا على أقسى أيام الناس وأشدها قسوة.

الأسعار تحلّق بلا سقف، والسلع تقفز كما لو كانت تتحدى العقول والمنطق. الأسواق تموج بفوضى لا تُحتمل، والمواطن يتأرجح بين عجز الجيب وضغط الحاجة. أما الراتب، ذلك الشبح الغائب، فقد صار ذكره مؤلمًا أكثر من غيابه؛ يتأخر شهرًا بعد شهر، حتى تجاوزت المدة أربعة أشهرٍ كاملة، تُسحق خلالها الأسر تحت وطأة الديون والجوع والإهمال.

وفي المقابل، تغيب الدولة عن المشهد غيابًا يُثير الريبة. لا رقابة، لا محاسبة، ولا حتى تعاطف! صمتٌ مريبٌ يلف الجهات المعنية، وكأنّها أعلنت الحياد في معركة المواطن من أجل البقاء. تُرك الناس نهبًا لتجارٍ متغولين، يرفعون الأسعار كل صباح كما يشاؤون، بلا وازعٍ من ضمير ولا خوفٍ من قانون.

أهذه هي الدولة التي وعدت بحياةٍ كريمة؟ أهذه هي العدالة التي حلم بها المواطن حين صبر على الأزمات؟ لقد تحوّل الفساد إلى وباءٍ ينهش جسد الوطن، تتقاسمه الأيدي من أعلى المراتب إلى أدناها. أموالٌ تُهدر بلا حساب، ومساعداتٌ تُنهب قبل أن تصل إلى مستحقيها، ومسؤولون يتحدثون عن التنمية فيما المواطن يبحث عن لقمةٍ تسد رمقه.

إن المواطن اليوم لا يُرهق فقط من غلاء الأسعار، بل من قسوة اللامبالاة. يُطعن من التجار، ويُخذل من الدولة، ويُراق دمه الاقتصادي في وضح النهار دون أن يتحرك أحد. بات الفقر رفيقًا دائمًا، والهمُّ ضيفًا لا يغادر البيوت، والكرامةُ عملةً نادرة لا يتداولها إلا أصحاب الحظوة والنفوذ.

يا دولةً غابت عنها الرحمة، ويا مسؤولين ناموا على وسائد الوعود! تذكّروا أن الشعوب لا تُهزم بالجوع، لكنها تثور حين تُهان كرامتها وتُغتال إنسانيتها. الجائع إذا صرخ، لا يسكت إلا بالعدل، والمظلوم إذا غضب، لا يهدأ إلا بالإنصاف.

جنوبنا الحبيب لا يستحق هذا العذاب، ولا يليق بأهله هذا الانكسار. إنهم أبناء الأرض الصلبة، رجال الصبر والعزة، يستحقون دولةً تحميهم لا تتخلى عنهم، وسلطةً تراقب التجار لا تتركهم يعيثون فسادًا في الأسواق.

 كفى عبثًا، كفى صمتًا، كفى تجاهلًا!
فالوطن لم يعد يحتمل مزيدًا من الجراح، والشعب لم يعد يقوى على الصبر أكثر. ومن ظنّ أن صمت الجياع ضعف، فليعلم أن للسكوت مدى، وللصبر آخر، وأن للكرامة حين تُدهس ثمنًا لا يُدفع بالكلمات، بل بالثورة على كل باطلٍ وفاسدٍ وجاحدٍ للحق والإنسان.