رحلة عذاب بين السباع والضباع: حكاية إعلامي
في ساعات الفجر الأولى، كان الإعلامي ناصر الساكت يشق طريقه عائدا إلى مسقط رأسه في أبين، بعد غيابٍ طويل قضاه في محافظة المهرة. رحلة العودة التي كان يفترض أن تكون مفعمة بالشوق والحنين، تحوّلت إلى مغامرة شاقة بين ظلمات الليل وأصوات الوحوش.
عند الساعة الثانية فجرًا، وبينما كانت العائلة تسلك الطريق نحو القرية، أخطأ الإعلامي المرهق الاتجاه، فانحرف عن المفرق المؤدي إلى قريته وسلك طريقًا آخر نحو منطقة تُعرف بـ«الطو»، لتبدأ فصول المعاناة.
كانت العتمة تغمر المكان، وصدى أصوات الحيوانات المفترسة يملأ أرجاء الوادي، فيما تسلّل الخوف إلى قلوب أطفاله الذين لم يألفوا مثل هذا المشهد من قبل. صرخات الصغار وعويلهم امتزجت بدقات قلب الأب، الذي حاول بكل رباطة جأش أن يهدئ روعهم قائلاً:
لا تخافوا، هذه أصوات عادية.. نحن بخير.
لكن المشهد ازداد رهبة حين لمح أحد السباع على مقربة من الطريق، فتضاعف خوف الأطفال الذين راحوا يبكون ويستغيثون بوالدهم:
يا أبي، إلى أين تأخذنا؟! هذه الوحوش ستأكلنا!
واصل الأب قيادته وسط الظلام والخطر، ممسكا بزمام شجاعته ليكون السند لعائلته، حتى لمح معلما يعرفه جيدا: «الكرِيف»، خزان طبيعي لتجميع مياه الأمطار، فتنفس الصعداء وقال لزوجته:
دعينا نستريح قليلاً هنا.
لكن لحظة الفرح لم تدم طويلا، إذ قفزت بناته نحوه فزعات وقلن له بصوت واحد:
انهض يا أبي! كيف ننام في غابة تحيط بها الوحوش؟!
ضحك الأب رغم الموقف العصيب، واستعاد عزيمته ليكمل المسير حتى وصل أخيرًا إلى قريته مع بزوغ فجر جديد.
قصة ناصر الساكت ليست مجرد سرد لرحلة مرعبة، بل شهادة على صبر الإنسان حين يواجه الخطر بعزيمة الأب، وشجاعة الرجل الذي رفض أن ينكسر أمام الظلام.