لو أننا لم نفترق...

كان الحضور منك كافياً ليشعر اليوم بأنه مختلف، وكانت أيام خوالي تشبه أيام العيد هذه،  وكانت كلماتك القصيرة تشبه المطر الأول بعد موسم جاف، كنا نتقن الصمت كما نتقن الضحك "نعم صحيح"، كانت القلوب تتحدث دون أن تستأذن، ثم جاءت "المسافة صفر"… لا بصوت مرتفع لا بخلافٍ معلن وحاد، بل بهدوء يشبه تسرّب الماء من بين الأصابع!!.
لم نقل وداعاً، أو إلى لقاء كما يقول المذيع نهاية كل حلقة، أننا لم نمنح الرحيل طقوسه فكتفينا بأن ننسحب كلٌ في صمته هكذا كما يحدث الآن.

أعوام مضت على غياب لم يُحسم بعد، على ذكرى ما زالت تطرق القلب في اللحظات العشوائية عند مشاهدة فلم مثلًا، أو سماع أغنية، أو مرور اسم يشبهك، أو رائحة فنجان قهوتك على أغاني فيروز وأغنية " بقلبي حنين مابعرف لمين". 

لعلنا عدنا ولكن دون أن نعود فعلاً، لا، لم نعود.. كيف ذاك؟!.
 لقد أصبحت هناك محشورة في زاوية الضوء الخافت على "الحالة"، نرى كلمات دون تعليق، ونرى إشارات دون تلويح، مرورك صامت تمامًا هذه المرات، لا كلمات تُقال لا عبارات تُستعاد، فقط حنين يمشي حافياً دون صوت أو بقايا بحة صوت توحي بأن فلان كان هنا قبل لحظات.

لم نتصالح حتى نتصافح أو نتحدث، لكن شيئاً فينا مازال يراقب الآخر... من بعيييد.
ربما نحن خائفون من فتح الباب على الماضي، أو ربما اكتفينا بمشهد الظهور فقط، لأن ما بعده قد يُربك هذا التوازن الهش بين النسيان والتذكر، مابينك أنت وبيني.

لكنني أتساءل دائماً... ماذا لو أننا لم نفترق؟! 
هل كنا سنكتب الآن هذا الصمت المتبادل؟ أم نضحك من فكرة القطيعة ذات يوم؟  
هل كنت لتكوني الأقرب؟ أم كنتُ سأظل ذلك الشخص الذي عرفك كثيراً، ثم تاه عنك دون سبب؟
حقيقة لا أعرف... وربما لن أعرف حتى أجيب، لكنني أعلم جيداً أن في القلب مكاناً لا يشبهه أحد، كان لك يوما... وما زال.

الحديث بيننا لا ينتهي، ودفء لا تُطفئه المسافات، لم يكن الزمن يفرق بين أصواتنا، ولا المواضيع تشيخ مهما تكررت.
ثم حصل ما لم نسمّه يومًا فراقًا.. بل فقط صمتٌ طال حتى صارت الأيام تتراكم فوق بعضها ككتب أُغلقت دون أن تُختم.

لكنني أكتفي بهذا الصمت الذي فيه من الحنين ما يكفي ليشعر القلب بأنه لم يكن وحيدًا..
كل عام وأنت وحدك بخير.