ابو الجونية مجنون جعار الغامض

بقلم: محمد ناصر العولقي

أبو الجونية هكذا يسمونه أهالي جعار !!!
جاء الى جعار من حيث لا ندري في نهاية السبعينيات أو بداية الثمانينات تقريبا  ، وكان يجلس في قلب سوق جعار  بجانب استريو الأهرام الذي كان يقع حينها أسفل عمارة بن عسكر أمام دكان الشتار ، كانت هناك برحة ينام فيها ، وجسمه كله مطلي بالهرد ، ويقضي كثيرا من اوقاته في فرزة الدرجاج ، ثم اتخذ من دكة عمارة العوادي ، ودكة عمارة الجعدبي في شارع الحدادين ( شارع الذهب حاليا ) مقاما شبه دائم له ، وكان يلف شوارع سوق جعار طوال الليل الى الفجر وبعدها يختفي قليلا ثم يعود الى موقعه في سوق الحدادين ، ويفرش عددا من الكراتين ، وينام ملتحفا كشيدته الباذخة الاتساخ .
وسماه أهل جعار ( أبو الجونية ) لأنه كان في جولاته يسير حاملا على ظهره جونيته التي لا يفارقها ، ولا يعلم أحد يقينا ما كانت تحويه إلا الله ، ويظل يتمتم بكلمات غير مفهومة النبرة والمعنى بصوت منخفض بالكاد يسمعه المارة ، وأحيانا يوزع الإبتسامات الواسعة ببلاهة على من حوله ، وفي بعض الأحايين يرتفع صوته ، وتعتريه حالة من الغضب ، ويدخل في مشادة كلامية مع الفراغ أو كائن افتراضي لا يراه المارون ، وعلى نفس وتيرة تمتمته لا يفهم الناس ماذا يقول ، ولا يدركون نبرة لهجة المنطقة التي ينتمي إليها  ..

يقول البعض : إنه من تهامة واسمه سطيف هكذا حاف ، ويقول البعض ان ابو الجونية أخبره بأن اسمه علي كيندا وأنه من حضرموت ، ويروي آخر بأنه جلس معه وقال له أبو الجونية : إن اسمه عبيد احمد هاشم من بلاد الصبيحة ، وأن هناك أناسا من آل باحب في حافة قدر الله ربما يعرفون أهله في طور الباحة ، وفي كل الأحوال ظل صغار وكبار جعار يعرفونه بالاسم الطاغي ( أبو الجونية ) .

من حكايات أبو الجونية أن بعض عيال جعار من ضمنهم الشهيد  محمد صالح علي خريسان وعبدالباسط الدولة وصلاح بلكم وجمال برقوش وصفوت الحيدري مسكوه ذات مرة وأخذوه الى جانب بيت ابو الشباب الواقع بالقرب من مدرسة الحمزة ، وكانت هناك حنفيات ماء سبيل ، وغسلوه بالماء والصابون ديتول ونظفوا جسمه وشعر رأسه تماما من طبقات الاوساخ التراكمة عليه ، وجابوا له ثياب جديدة ؛ سروال وجرم شياكة ، ثم أخذوه الى عند عبدالله الحلاق وحلقوا له كبوريا ، وحولوا شكله الى شخص ثاني مع العطر الراقي وجزمة كلس سوداء ، وقام إثنان آخران من الشباب وأخذوا ثيابه وجونيته المترعة بالأوساخ ، ورموا بها في الوادي خلف طين العدنية حق المرحوم محمد ناصر العفيفي ، من غير ما يعرف ابو الجونية أين اخذوا ثيابه وجونيته ، وكانوا يتمشون معه في السوق ويخلوه ينام في غرفة بجانب ملعب الشهيد بن سلمان ، وجلس معهم على هذه الحالة ثلاثة ايام ، وهم مهتمون به ، وبعدها هرب عليهم ، وبعد ايام رجع للسوق بجانب دكان العوادي وهو معه الجونية نفسهاونفس ثيابه القديمة ...

وأثناء بقائه مع الشباب في الغرفة بجانب الملعب كان يتكلم بشكل طبيعي ويضحك معهم ، ويمزحون أحيانا .. وفي مرة جلس  المرحوم حسن مرشد المخدومي الجندي في  البحث الجنائي يؤذيه حتى أزعجه تماما ، فأمسك أبو الجونية حسن المخدومي مسكة يهودي ، وهتره هترا ثم شلٌه جو ، وكان على وشك ان يرمي به أرضا لولا أن الشباب تداركوه ، وأمسكوا به ، وما أن تخلص حسن مرشد الله يرحمه من يدي أبو الجونية حتى تحول الى بابور همر وطار ساني الى بيتهم في حافة نافذا بجلده ، وفي اليوم التالي من المشكلة مع المرحوم حسن مرشد جاءت للشرطة وأخذته ، ولكن بعد عدة ساعات أطلقت الشرطة سراحه ، وهذا جعل كثيرين يتشككون بأن ابو الجونية كانت له علاقة بالعمل الأمني ! 
 
كان شخصا غامضا ومرعبا ومخيفا وغريب الأطوار ، وقوي البنية ولم يتغير جسمه طوال أكثر من ثلاثين عاما ، مما جعل الكثير يظن إنه إما جني أو جاسوس ؛ فليس من الاعتيادي إذا كان مجنونا أو مسحورا به مس ان يبقى محتفظا بنفس الصحة والسلامة والقوة الجسدية طوال هذه الفترة كلها ..

يروى الشيبه الدباسي إنه كان يروح مع احد أصدقائه للتمشية بعد العصر  نحو الوادي باتجاه قرية ساكن وعيص ، وفي إحدى المرات وجدوا أبو الجونية يترمسس مع واحدة في حشك ، فقز الدباسي وأراد ان يهتره ، وقال له : ايش معك ؟ عيب عليك ، فخرج إليه أبو الجونية ومسك بحنجرة الدباسي بقوة وناوط به يمينا شمالا ، حتى سرجت عيونه من الخنقة وأشرف على الموت ، ثم فك له من يده ، وما كان من الدباسي إلا أن يمسك الخط الطويل ساني الى جعار  دون ان ينطق بكلمة  الى أن وصل الى جعار ، وأخذ يقول لصديقه :  ذا جني ماشي إنسان وووه كان موتنا !!! 

ومثلما ظهر أبو الجونية في جعار فجأة من حيث لا ندري ، فقد اختفى منها فجأة أيضا الى حيث لا ندري ..