الصمت لم يعد خيارًا.. !! 

بقلم: فتحي محمد الشاعري*

يا أبناء وطني، يا من تصبرون على الألم وتواجهون القهر بشرفٍ وكرامة، نكتب اليوم لا لنشتكي، بل لنشهد أمام الله والتاريخ على واقعٍ صار عبئًا على كل ذي ضميرٍ حيّ.. لقد أصبح النفاق سلوكًا عامًا في حياتنا، وصار الفساد منظومة تُدار بها مؤسسات الدولة.. وزاراتٌ وهيئاتٌ تُسَيَّر بعقليات عصاباتِ نهبٍ وفيدٍ منظم، لا مكان فيها للشرفاء، ولا موقع للصادقين، بل تُقصى الكفاءات ويُستبدل بها من يجيدون التملق والانتماء للتيارات والمصالح الضيقة.

يتحدثون عن شُح الموارد وعن عدم توفر السيولة، بينما الواقع يكشف عكس ذلك؛ فالأموال تتدفق يوميًا من البنك المركزي تحت مسميات “هبات ومساعدات”، لكنها لا تصل إلى مستحقيها — لا إلى الموظف المدني الذي ينتظر راتبه منذ أشهر، ولا إلى الجندي الذي يحرس حدود وطنٍ بلا مقابل، ولا إلى المواطن البسيط الذي لم يعد يجد ما يسد رمقه أو رمق أطفاله.

كل شيءٍ صار ينهار: الكهرباء انقطعت كما انقطعت الرحمة، الماء نادر، والخدمات غائبة، والناس تموت جوعًا بينما الفاسدون يتنعمون بالثروة.. وكل محاولة إصلاح تُسند إلى نفس الأسماء، نفس اللجان، نفس العقول التي صنعت الخراب.. قراراتٌ وتعييناتٌ تُبنى على المحسوبية والقرابة والانتماء، لا على الكفاءة والنزاهة.

ولم يقف الخراب عند حدود السياسة والاقتصاد، بل وصل إلى أخطر ما يملكه أي وطن: العقل والتعليم. اليوم أصبح التعليم في وضعٍ مأساوي — مناهج معقدة لا تتناسب مع عقول الطلاب، تجهيلٌ متعمّد، وتخريبٌ للعقل اليمني الناشئ.

طالب المرحلة الثانوية لا يعرف الإملاء، ولا يمتلك أبسط أدوات التفكير أو الفهم، لأن العملية التعليمية أُفرغت من مضمونها، ولأن المعلم — الذي كان يومًا قدوة — صار مهدور الكرامة بلا مكانة ولا حقوق، ولا راتبٍ يكفيه.. إنها سياسة تدميرٍ متعمّد لجيلٍ كامل، جيلٍ يُراد له أن يجهل حتى لا يطالب، وأن يجوع حتى لا يثور.

ورغم كل ذلك، فإن العالم والمنظمات الدولية والعربية تُرسل الدعم والمساعدات بمليارات الدولارات، لكن الشعب لا يرى منها شيئًا؛ لأن أموال الدعم تُختطف في طريقها، وتتسرب إلى جيوب الفاسدين في الوزارات والمؤسسات، وتتحول إلى رواتب ضخمة وسفريات وامتيازات لكبار المسؤولين، بينما المواطن لا يجد قوت يومه.

إلى متى نصبر؟ إلى متى يُستغل صمتنا كضعفٍ، وصبرنا كرضا؟ لقد بلغ الفساد مداه، وتجاوز كل حدود المعقول.. نحن أمام دولةٍ تتآكل من الداخل، وشعبٍ يزداد فقرًا يومًا بعد يوم، في حين يعيش المسؤول في رفاهٍ لا يليق إلا بدولةٍ غنيةٍ عادلة — وهي ليست حالنا اليوم.

يا أبناء وطني، إن الصمت صار خيانة، وإن كلمة الحق في هذا الزمن واجبٌ وطني.. فمن يسكت عن الفساد صار شريكًا فيه.. لن يتغير هذا الواقع إلا بإرادةٍ صادقة من الداخل، من وعي الشعب، ومن صوت المثقف، ومن شجاعة المواطن البسيط الذي يرفض أن يعيش ذليلًا.

نريد دولة تُبنى على العدل لا على الولاءات، وعلى القانون لا على النفوذ، وعلى الضمير لا على النفاق.. نريد تعليمًا يُعيد للعقل قيمته،

وإدارةً تُعيد للمعلم مكانته، ونظامًا يُعيد للوطن هيبته.. اللهم اشهد أنّا قد بلغنا، ونشهد أن الصمت لم يعد خيارًا.

* رئيس الدائرة السياسية والإعلامية بالأمانة العامة لرئاسة الوزراء