المجلس الانتقالي الجنوبي: من تشكيل القيادة إلى بناء الكيان.. محطات إنجاز في مسار القضية

المقدمة (الاستهلال):

سؤالٌ مشروع يفرض نفسه على الساحة: ما الذي أنجزه المجلس الانتقالي الجنوبي منذ تأسيسه؟ إنه استفهام لا ينبع من فراغ، بل من حق الجميع معرفة مسيرة كيان حمل أمانة قضية شعب وتطلعاته. انطلاقًا من هذه المسؤولية، نسعى لتسليط الضوء على أبرز المحطات والإنجازات التي شكّلت منعطفات تاريخية في مسار الجنوب، مستعرضين الرحلة من لحظة التأسيس الصعبة وحتى تحقيق مكاسب سياسية وعسكرية كان يُظنّها مستحيلة.

(١) البداية: تشكيل القيادة الموحدة واستعادة زمام المبادرة

في البداية، يجب أن نعود إلى مايو 2017، حين أعلن "إعلان عدن التاريخي" عن ميلاد مرحلة جديدة، تم فيها تفويض الرئيس عيدروس الزبيدي لتشكيل قيادة سياسية موحدة تمثل الجنوب. وبالفعل، كان تشكيل هيئة رئاسة المجلس الانتقالي في 11 مايو 2017 إنجازًا بحد ذاته، لأنه أنهى سنوات من فراغ القيادة الذي كاد أن يضيع نصر الجنوبيين في 2015، لتحل محله فوضى سيطرت خلالها قوى مختلفة، بعضها متهم بالإرهاب.

(٢) الإنجاز العسكري والأمني: من الفوضى إلى بناء الدولة

لم يكتفِ المجلس الانتقالي بذلك، بل انتقل إلى مرحلة أكثر حسماً، حيث اعتمد على المقاومة الجنوبية ليبني نواة لقوات مسلحة وأمنية جنوبية. وتُوجّت هذه الجهود بسلسلة من العمليات الناجحة التي تم من خلالها تطهير الجنوب من الجيوب الإرهابية والفوضوية، أبرزها معركة الدفاع عن المتظاهرين في يناير 2018، ومعركة أغسطس 2019 لحماية جنازة الشهيد أبو اليمامة. ولعلّ الذروة كانت في إنهاء فتنة الشيخ سالم / شقرة، التي مثلت انتصاراً استراتيجياً أوقف محاولات إعادة احتلال الجنوب.

(٣) الحضور الإقليمي والدولي: نقل القضية من المحلية إلى العالمية

بموازاة البناء العسكري، انطلق المجلس بثقة لتعزيز حضوره على الخارطة الدولية. فبفضل موقعه الجيوسراتيجي الهام المطل على مضائق بحرية حيوية، وإيمانه بقدرته على تحقيق الاستقرار، تمكّن من نسج تحالفات إستراتيجية مع دول التحالف العربي، لا سيما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. كما نجح في فتح مكاتب تمثيلية في أوروبا وأمريكا، ونقل قضية الجنوب إلى أروقة الأمم المتحدة، محوّلاً نفسه إلى شريك لا غنى عنه في معادلة المنطقة.

(٤) الإنجاز السياسي والدبلوماسي: الحوار وبناء مؤسسات الدولة

انتقلت الرؤية السياسية للمجلس إلى مستوى أكثر عمقاً، فدعا إلى حوار جنوبي شامل أثمر عن "اللقاء التشاوري" الذي أنتج أربع وثائق تاريخية: الميثاق الوطني الجنوبي، وملامح الدولة القادمة، وإدارة المرحلة الراهنة، وآلية التفاوض من أجل الاستقلال. إلى جانب ذلك، أولى المجلس اهتماماً كبيراً لبناء مؤسسات المجتمع المدني والإعلام، فأطلق قنوات تلفزيونية وإذاعات، ودعم تشكيل اتحادات للمرأة والشباب والأدباء، مؤكداً أن الحوار والتأهيل هما منهج حياة.

(٥) التحدي الاقتصادي والمعيشي: واقع مرير ومحاولات للتغيير

لا يمكن إنكار أن التحدي الأكبر الذي يواجه المجلس والشعب هو الوضع المعيشي والخدمي المتردي. وفي هذا الصدد، يجب التوضيح أن الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً هي المسيطرة على الموارد المالية، بينما يعاني الجنوب من تداعيات الحرب والفساد الإداري. ومع ذلك، لم يتقاعس المجلس الانتقالي، خصوصاً بعد دخوله في شراكة الحكم بموجب اتفاق الرياض وتشكيل مجلس القيادة الرئاسي. فقد بذل جهوداً لمتابعة الملفات الخدمية ومكافحة الفساد، كما في ملف وقف البسط ونهب الأراضي في عدن، وهو ما ساهم – ولو نسبياً – في منع الانهيار الكامل.

الخاتمة:

ختاماً، يمكن القول إن رحلة المجلس الانتقالي الجنوبي، منذ تأسيسه وحتى اليوم، هي رحلة تحوّل من كيان ناشئ إلى ممثل شرعي وقوة فاعلة لا يمكن تجاوزها. لقد نجح في تحويل القضية الجنوبية من أمنية إلى مشروع سياسي ملموس، يجمع بين القوة العسكرية المنظمة والدبلوماسية النشطة والبناء المؤسسي. ورغم كل التحديات الاقتصادية والمعيشية التي تبقى حجر عثرة في طريق إنجازاته، فإن المجلس يمثل اليوم الأمل الأكبر لشعب الجنوب في استعادة دولته المستقلة، من خلال المشاركة في العملية السياسية تحت مظلة الأمم المتحدة، ساعياً لتحقيق الحلم التاريخي في استقلال كامل السيادة على حدود ما قبل 1990.