المتحف المصري الكبير: رسالة للزعماء والملوك قبل بلوغ الأجل

بقلم: د. مرسي أحمد عبد الله

لقد شاءت الإرادة الإلهية أن تبقى قصة فرعون خالدة، لا تُروى فقط في صفحات الكتب السماوية، بل تتجسد كواقع ملموس يشهد على عظمة العقاب الإلهي. قال الله تعالى: ﴿فَاليَومَ نُنَجّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكونَ لِمَن خَلفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثيرًا مِنَ النّاسِ عَن آياتِنا لَغافِلونَ﴾ [يونس: ٩٢].

إن حفظ جسد الطاغية، الذي ادعى الألوهية والجبروت، وتحويله إلى قطعة أثرية صامتة، يظل شاهداً أبدياً بأن نهاية كل متكبر وطاغية هي السقوط المدوي والخلود كرمز للشر والفساد. إنها رسالة كونية بأن قوة الإنسان، مهما عظمت، تتلاشى أمام قوة الخالق.
واليوم، يتجمع الزعماء والملوك في المتحف المصري الكبير، ليجسدوا هذا المشهد العظيم على أرض كانت مسرحاً لأعظم قصة صراع بين الحق والباطل.
إن هذا التجمع في قلب التاريخ يحمل رسالة مضاعفة للحضور ولكل مسؤول يتولى أمر الناس. ففرعون آمن حين أدركه الغرق، ولكن لم تُقبل توبته لأنها جاءت في وقت المعاينة عند الموت، حيث لا تنفع التوبة عند الهلاك. ولهذا، جاء الرد الإلهي القاطع: ﴿آلآنَ وَقَد عَصَيتَ قَبلُ وَكُنتَ مِنَ المُفسِدينَ﴾ [يونس: ٩١].
هذه القصة هي رسالة خالدة لكل مسؤول، وكل حاكم، وكل صاحب سلطة. إنها تذكير بأن السلطة أمانة، وأن وقتها محدود، وأن المساءلة آتية لا محالة. فما أعظم الفارق بين فرعون الذي قال "أنا ربكم الأعلى" وبين الحاكم العادل الذي يعلم أنه خادم لشعبه، ووكيل عن ربه.
إنها رسالة واضحة لكل من يحمل أمانة القيادة: إن الإصلاح واجب ما دامت الفرصة متاحة، والعطاء فريضة ما دام العمر يمتد، والعدالة مسؤولية لا يجوز تأجيلها. فالحكمة الحقيقية ليست في انتظار ساعة اليأس والاضطرار، بل في البذل والعطاء والإصلاح في زمن القدرة والاختيار.
فليعتبر الغافلون، وليتعظ المتكبرون، وليعمل المسؤولون قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم.