ما أجمل الصباح 22

أسفر الصباح ، وكان جميلا في أبها حلله غير أن صباح هذا اليوم كان أكثر جمالا ، وأشد بهاء ، انطلقت صباح هذا اليوم نحو العباسية لغرض ما ، كانت الشمس على ارتفاع رمح تقريبا ، لكنها تسطع بقوة على جبيني ، عرض علي قائد المركبة شيئا من الدخان ، قلت له : معذرة أنا لا أدخن ، سألني هل أضايقك بفعل ذلك ، أجبت كلا ، خذ راحتك يا أخي ، فأنا أفضل تحمل الأذى على فرض رغباتي على الآخرين ، سيطر علينا الصمت لشيء من الوقت ، والدخان يصول ويجول بين ناظري وبين زجاج المركبة الأمامي ، وإذا بطبقة أخرى من الدخان ، لكنها خارج المركبة هذه المرة ، وضوء الشمس يزيد من وضوحها ، وسعة انتشارها على امتداد البصر ، ترتفع تارة فوق البنايات ، وفي أعلى الكباري ، وأحيانا تتخلل بين البنايات الشاهقة ، عند ذلك أدركت أنها ليست من سيجارة قائد المركبة ، لكن يبدو أنها من عادمات آلات المصانع الضخمة ، وعادمات المركبات التي أصبحت تفوق الساكنين عددا ..

بعد ذلك صعدنا على أحد الكباري ، نظرت شمالا وإذا بمحطة قطار عريقة ، تحكي عراقة البلد ، والحضارات الغابرة التي تعاقبت عليه ، تشتم منها نكهة العظماء ، وفعل الأقوياء ، نظرت إلى قائد المركبة ، وأنا أقول - الله - ما أعظم هذا البلد ! قال : أجل إنه بلد عظيم ، غير أن ضغوطات الحياة ، وغلاء المعيشة ، هما من جعلاني أفرط في التدخين ..

وأنا عائد بعد أن قضيت غرضي ، مررت على خط مرصوف يحاكي الخد الأسيل ، وإذا بمسجد شكله رائع جميل ، ومأذنته شاهقة شماء ، تكاد تلامس السماء ، عند ذلك عادت بي الذاكرة إلى الخلف قليلا ، فعلمت أن بذلك المسجد ضريح أحد العظماء ، وآخر الزعماء ، وماتبقى من أريج العزة والكرامة والكبرياء .