التعليم في اليمن في القفص بين الصراع والجدران المنهارة

​بات التعليم في اليمن يواجه أزمة وجودية وكأنه محبوس في القفص يستنشق آخر ما تبقى من هواء يمكنه أن يتنفسه فبفعل الصراع الدائر وجد ملايين الأطفال أنفسهم خارج أسوار المدارس حتى البديلة منها التي تبني الجدران الإسمنتية هذه الأزمة ليست مجرد نقص في المباني بل هي تدهور شامل يبتلع مستقبل جيل بأكمله فالصراع لم يكتفِ بإشعال فتيل الحرب بل دفع بنحو خمسة ملايين طفل للتسرب من التعليم وفقًا لتقديرات منظمة اليونيسف في كارثة إنسانية وتعليمية تتفاقم يومًا بعد يوم.

​في محافظات مثل لحج الواقعة في مناطق سيطرة الحكومة تتكشف فصول هذه المأساة ففي مناطق التماس والنزوح لا يجد الطلاب سوى خيام مهترئة وكرفانات تشيك على السقوط لتكون فصولهم هذه البيئات القاسية تستنزف آخر ما تبقى من إمكانية للتعلم حيث يعاني المعلمون والمتطوعون من ظروف صعبة فدرجات الحرارة المرتفعة لم تعد تكفي لإذابة صلابة القهر الذي يعيشه المجتمع التعليمي هذه الظروف تضغط على الأسر التي تفكر بالعودة إلى الطارئ في محاولة يائسة لإنقاذ أبنائها من الضياع.

​لا تتوقف العقبات عند البنية التحتية بل تصل إلى قلب العملية التعليمية المعلم ففيما يواجه المعلمون أعباءً لا تتوقف تتفاقم أزمة رواتبهم حيث يشير مصدر تربوي في صنعاء إلى أن ما هو متاح لا يعدو كونه قطرات من مستحقاتهم المتأخرة منذ انقطاع طويل بينما حُرم عشرات الآلاف من المعلمين من مستحقاتهم بالكامل. هذا الوضع يجبر المعلمين على البحث عن مصادر رزق أخرى مثل المعلم عبد فارع الذي فارق مهنة التعليم بعد 28 عاماً ما يهدد بانهيار كامل للجهاز التعليمي الذي يحتاجه أكثر من 40 مليون نسمة في اليمن.

​يواجه قطاع التعليم عقبة قاتلة لا تتوقف عند الاضطرابات الموسمية بل تصل إلى التدمير الممنهج. فالحرب التي أشعلتها مليشيات الحوثي دمرت الآلاف من المدارس حيث تشير التقديرات إلى تحويل 4,000 مدرسة إلى حقول ألغام أو ثكنات عسكرية مما يجعلها مناطق خطرة وممنوعًا على الأطفال الاقتراب منها هذا التدمير لا يقتصر على الحجر بل هو استهداف مباشر لمستقبل اليمن ما يستدعي جهوداً ضخمة لإعادة تأهيل هذه المنشآت الحيوية وضمان سلامة الطلاب والمعلمين.

​وسط هذا المشهد القاتم يبرز بصيص أمل وجهود دولية وإقليمية لمحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه وفي السنوات الأخيرة تبنى البرنامج السعودي لإعمار اليمن عدداً من المشاريع الهادفة إلى إعادة التعليم إلى مساره شملت إعادة تأهيل 130 مدرسة بالتوازي يعمل البرنامج على خطط شاملة لـ تدريب المعلمات في المناطق النائية في محاولة لإنقاذ الفتيات من الضياع وإلحاقهن بالتعليم ومواكبة المسار العالمي إن هذه الجهود وإن كانت ضخمة تتطلب دعماً دولياً مستداماً لإعادة بناء الثقة في نظام تعليمي مدمر وتحريره من القفص الذي حبسته فيه الحرب.