رواتب الجنود في أيدٍ أمينة
بقلم: حسين السليماني الحنشي.
كان الوضع في الماضي مختلفًا تمامًا عما هو عليه اليوم، حيث كان رئيس البلاد يتمتع بالنزاهة وكانت القيادات جميعها تتسم بالأمانة، وكان لدى معظمهم حس ديني وأخلاقي، بينما كان الآخرون يخشون من دولة ونظام صارم لا يتهاون في تطبيق القانون.
تذكر قصة حدثت لأحد قيادات الجيش في أوائل السبعينات في عدن، وكان بطلها اللواء صالح سعيد طرموم العويني، الذي كان قائد سرية في كتيبة التشريفات. وعندما استلم راتب أفراد السرية، خرج لتناول الغداء ولم يكن لديه الوقت الكافي للذهاب إلى المعسكر لتسليم الرواتب، فمر بالمطعم لتناول وجبة الغداء حتى يتسنى له الوقت الكافي لتسليم الرواتب. وعندما تقدم لتناول الطعام، سقط كيس الأموال المخصصة للجنود من يده. فأخذه قط من تحت قدميه وبدأ يركض به، فهرع خلفه ولم يتمكن من استعادة الكيس. فأخرج مسدسه وصوبه نحو القط وأطلق النار حتى ترك القط الكيس بما فيه.
تم القبض عليه والتحقيق معه في هذه الحادثة، فقال مقولته التي نفتقدها اليوم، والتي انتزعت من معظم قيادات البلاد: "إنها رواتب الجنود"، وهي عبارة تلامس القلوب. لم نجد لها صدى في ضمير كل من يحمل الأوسمة والنياشين الزائفة.
إنها مقولة تهز مشاعر كل ذي قلب. نحن اليوم على أعتاب مرحلة انقلابية، انقلبت فيها معظم القيم، إن لم تكن كلها. قادة من الشوارع بلا ضمير، ترى ذلك في السيارات الفارهة والمنازل الضخمة والمنشآت التجارية الكبيرة، وهذا هو المعيار الذي لم نجده فيمن سبق، حتى المعيار الإنساني الذي يجب أن يتوفر في من يتولى أي مرفق. كانت الناس قليلة المؤهلات العلمية، لكنها كانت غنية بالسلوك والأخلاق الحميدة.
إن القيادات السابقة حافظت على الوطن والرعية، على عكس ما نراه اليوم من قادة تركوا الوطن بلا راعٍ ولم نجد فيهم القوي الأمين، مما أدى إلى ظهور طبائع جديدة لم نعرفها من قبل. إذا تذكرنا الرجال الأوائل، نشعر بالألم على ماضٍ مبني على القيم والمبادئ التي لا يمكن لأحد أن يتجاهلها. وما قصة اللواء صالح سعيد طرموم العويني إلا نقطة في بحر من القيادات النزيهة. لقد قام الجنوبيون بالثورة لاستعادة تلك القيادات التي غرسَت الأخلاق الحميدة في قلوب الناس، فنهضت الجماهير لتعود إلى تلك الفترة الذهبية التي عاشتها عدن.
نحن اليوم مع قيادات لم تأتِ من خارج الوطن، بل هي ممن كنا نتمنى وجودهم. فهل سيكون الماضي حلمًا يصعب العودة إليه؟ أم أننا نعيش في حالة من اليقظة المتقطعة، وما نراه هو كابوس مزعج؟ فمتى نستفيق ومتى تعود لنا قيادات أمينة كنا ولا زلنا نحلم بها؟


