في سلبيات القطيع
جمعتني ذات يوم الصدفة بأحد الثوار الكبار ، أو قل إن شئت أحد المتمردين على النظام ، في مديرية الشمايتين ، صعدنا إلى حوض المركبة قاصدين مدينة المدنية والجمال ، وفي أثناء وقوفنا في المركبة ، ونحن نمسك بجدرانها الحديدية خوفا من أن نتساقط من شدة الرياح التي تعبث بنا جراء سرعة المركبة ، سمعت أحدهم يقول : كيف حالك يافلان ؟ وهنا عادت بي الذاكرة في سرعة الضوء إلى زمن قد مضت عليه عقود ، وعشعش عليه النسيان ، وبنت عليه العنكبوت منازلها ، وإذا بي استذكر ذلك الثائر الذي لمع اسمه ، وبدا عصيانه وتمرده على النظام إلى العلن ، وأصبح حديث الساعة ، وأنا حينها لما أكمل العقد الأول من عمري .
عند ذلك بقيت للحظات من الوقت أقلب ذلك الاسم في مخيلتي ، وأسأل نفسي أيعقل أن هذا الشيخ المسن هو ذلك الثائر الذي تمرد على النظام ذات يوم من أجل أن ينصف المظلومين ويعيد شيئا من الأمل للبؤساء ؟ وبعد قليل من الوقت قررت أن أتوجه إليه بالسؤال ، هل أنت ذلك الثائر الذي أعلن العصيان على النظام والتمرد المسلح في ثمانينيات القرن المنصرم في المنطقة الجنوبية للشمايتين ؟ قال : أجل أنا هو ذاك . لم أكتف بذلك ، فقلت أسأله سؤالا آخر ليطمئن قلبي ، فقلت : هل أنت ذلك الثائر الذي كان ينتزع للمظلومين حقوقهم من ظالميهم ؟ قال : أجل أنا هو ذاك .
حييته مجددا ثم استأذنته في أن أطرح عليه سؤالا آخر ؟ ابتسم ثم قال : سل مابدا لك أيها الفتى ، وفي هذه الأثناء قلت : لقد كانت فكرتك جيدة ، وثورتك مباركة ، وتمردك في محله غير أن نهايتك كانت مخزية ، وهنا قاطعني قائلا : افصح عما في نفسك يافتى ، فأنا لم أفهم ما الذي تعنيه بالنهاية المخزية ؟ قلت : لقد كان لديك الكثير من المقاتلين الأشداء ، وكذلك الكثير من الأسلحة ، والتحصينات القوية في أعالي تلك الجبال الشاهقة ، لكن عندما زحف نحوك قطيع البؤساء والبسطاء ورعاع القوم الذين كانت أسلحتهم الشخصية بدائية للغاية ، وليس لديهم شيء من العدة والعتاد ، بل ليس لديهم حتى مركبة إسعاف لنقل جريح أو مصاب ، ومع ذلك هربت من لقائهم كالفأر مذعورا !!! أجاب : أيها الفتى إن تمردي وعصياني على النظام كان من أجل نصرة ذلك القطيع البائس ، فكيف أقتلهم ؟ لذلك رأيت الهروب منهم وتجنب التنكيل بهم أفضل الأمرين وأهون الشرين !!!