لماذا يتمسّك الحضارم بهويتهم الحضرمية؟

ربما يعتقد البعض أن الحضارم لا يُعيرون اهتمامًا لهويتهم الحضرمية، غير أن الحقيقة على العكس تمامًا. فحضرموت، تاريخيًا، منذ أكثر من 3500 سنة قبل الميلاد، ظلّت بهويتها الوطنية متماسكة رغم تغيّر الأزمنة، وتبدّل الظروف السياسية والاجتماعية، وتعاقب الدويلات والسلطات الحاكمة على جغرافيتها .


تؤكد الشواهد التاريخية داخل حضرموت وخارجها، أن الحضارم وصلوا إلى مناطق شرق آسيا منذ آلاف السنين واستقروا فيها، مع حفاظهم على تواصل دائم بوطنهم الأم حضرموت عبر زيارات متقطعة ثم العودة. كما اتخذ آخرون طريق الهجرة إلى الشرق الأقصى، وإفريقيا، ومناطق مختلفة من العالم، وكان ذلك قبل الإسلام .


أما بعد بزوغ الإسلام، فقد اعتنق الحضارم الدعوة المحمدية عن قناعة تامة، وفهموا رسالة الإسلام فهمًا عميقًا، ومارسوا تعاليمه وطقوسه بصدق ومحبة، خاصة ما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية. ولهذا أسهمت قبائل حضرمية عديدة في نشر الإسلام في عهد النبي محمد ﷺ، ثم في عصور الخلفاء الراشدين، والدول الإسلامية التي تلتهم، كالأموية والعباسية وغيرها، حيث حمل الحضارم الإسلام معهم أينما حلّوا .


يتميّز الحضرمي بسلوكه المتزن، وبالمحبة الصادقة التي يكنّها لحضرموت باعتبارها وطنه الأم. ولم يدّخر جهدًا في التمسك بهويته الحضرمية، لذلك ظل هذا التمسك حاضرًا في كل بلد يوجد فيه حضارم، إلى جانب تعاملهم الحسن واندماجهم الإيجابي مع المجتمعات التي استقروا فيها طلبًا للرزق والعيش الكريم .


وفي عصرنا الحالي، ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وقيام عدد كبير من المدوّنين بالسفر وتوثيق زياراتهم لمناطق مختلفة من العالم، خصوصًا في شرق آسيا وإفريقيا، يتجلّى بوضوح الوجود الحضرمي الممتد منذ مئات السنين .


مع مرور الزمن إلا أنه لا يزال الحضارم يعتزون بهويتهم؛ فيذكرون قبائلهم وأسرهم وأصولهم. وما يميّزهم أكثر هو بقاء اللغة العربية، والدين الإسلامي، والمذهب السني حاضرة بقوة دون اندثار. ويعود الفضل في ذلك إلى دور الجدّ والأب في ترسيخ اللغة والدين والعادات الحضرمية، وإصرارهم على نقل هذه القيم إلى الأبناء والأحفاد جيلًا بعد جيل .


التحولات السياسية التي شهدتها حضرموت، ومحاولات طمس الهوية الحضرمية في النصف الثاني من القرن الماضي، لا سيما بعد سقوط الدويلات عام 1967، تلك المحاولات لم تنجح فقد ظل الحضرمي متمسكًا بهويته، رغم القرارات القسرية وفرض مسميات جديدة، كغيرها من التسميات السياسية. وكان هذا التمسك أكثر وضوحًا لدى الحضارم في المهجر، وكذلك لدى أبناء حضرموت في الداخل، من خلال سلوكهم وعاداتهم اليومية .


ورغم محاولات الأنظمة السياسية المتعاقبة إيقاف الهجرة في فترات معينة، اتخذ الحضارم طرقًا شاقة وخطيرة للخروج من حضرموت، وتحملوا المخاطر في سبيل البحث عن فرص الحياة. ولا شك أن بعض الشباب فقدوا حياتهم في تلك الرحلات، إلا أنهم يظلون قلة مقارنة بمن نجحوا في الوصول إلى بلدان أخرى .


مع قيام الوحدة عام 1990، ورغم حالة الانفتاح التي رافقتها، برزت محاولات لانتساب كل ما هو حضرمي إلى إطار «اليمننة»، وسعت بعض السياسات إلى إذابة الهوية الحضرمية عمدًا، بما يخدم توجهات سياسية معينة. غير أن هذه المحاولات، سواء عبر الإعلام أو غيره، لم تُفلح في إضعاف الهوية الحضرمية أو إزالتها، بل على العكس، ازداد التمسك بها، وبرز تميّز أبناء حضرموت في السلوك، والعمل، والتعليم، والتعامل الإنساني .


ستظل هوية حضرموت باقية ما بقي الشعب الحضرمي في حضرموت وفي مختلف دول العالم ، وعليه ليكن العام 2026 عامًا للهوية الحضرمية، للحضارم أينما كانوا .