الجنوب… ذاكرة وطن وحلم يتجدد

بقلم: أ.د مهدي دبان

الجنوب… كلمة تعني الكثير لكل من عاش في عصر الدولة قبل ٩٠، كلمة ليست مجرد اتجاه جغرافي، بل ذاكرة وطن وهوية إنسان. ورغم آلامها ونزغاتها الكثيرة والمتعددة، إلا أنها تظل مغروسة في قلب وحنايا كل جنوبي؛ يحن لها ولراياتها، ويشتاق لتلك الأيام الخوالي، حين كان النظام يبسط سيطرته، وحين كان الناس جميعهم سواسية، لا يعلو أحد على أحد إلا بالقانون، رغم الأخطاء الكارثية التي شابت تلك المرحلة. كانت الدولة حاضرة، والنظام واضحا، والهيبة قائمة، فشعر المواطن، على اختلاف ظروفه، بانتمائه إلى كيان واحد يجمعه ويحتويه.

واليوم، يقف الجميع على أعتاب استعادتها بعد صراع مرير ومخاض عسير، مسيرة طويلة سالت فيها التضحيات، ويُحسب الفضل فيها لمن ضحى في بادئ الأمر، ولمن أكمل المسير وصبر وثبت. غير أن الرهان الحقيقي، والتحدي الأكبر، سيُحسب لمن سيضع دستورا ونظاما جديدا يتجنب كوارث الماضي وإخفاقاته، ويتجاوز محنه وآثاره، ليعود نظام الدولة بروح مختلفة وعقل متزن. دولة يكون فيها الجميع مشاركا في بناء وطن حضاري متقدم، قائم على الإخاء والسلوك والأنسانية قبل البناء والعمران والخدمات، دولة تُعلي قيمة الإنسان، وتحفظ كرامته، وتؤسس لمستقبل لا يُقصي أحدا ولا يعيد إنتاج الألم.

ويبقى الجنوب حلما يسكن القلوب، ومسؤولية على عاتق الجميع؛ أن نحمله من الذاكرة إلى الواقع، ومن الحنين إلى الفعل، ومن الشعارات إلى دولة حقيقية، تتسع لكل أبنائها، وتكتب فجرها القادم بإرادة واعية، لا تنسى الماضي، لكنها لا ترتهن له.