شعبُ الجنوب يستحق دولةً تعبّر عن تضحياته وبطولاته وتاريخه المجيد.

لكنّ الدول لا تُبنى بالاستحقاق وحده، ولا تتحقق بالرغبة أو بالإعلان المنفرد. وفي ظل هذه الظروف الاستثنائية الصعبة التي يمر بها الجميع، داخليًا وإقليميًا، فإن الأمر يتجاوز الشعارات وردود الأفعال.

إنها مسؤولية كبرى ومسار معقّد، يحتاج إلى قيادة سياسية واسعة الأفق، وقدرة مؤسسية حقيقية على إدارة التعقيدات الداخلية والخارجية، لا إلى قرارات يتخذها أفراد بدافع اللحظة، أو حسابات ضيقة، أو تحت ضغط العاطفة وتأثير الوعود، أياً كان نوعها ومصدرها.

الحقيقة أن هذا المسار يتطلب الكثير، وفي مقدّمته توافقًا جامعًا، ومؤسسات فاعلة، ورؤية وطنية جامعة، وإدارة قادرة على ضبط الأرض والناس، قبل الانتقال إلى طلب الاعتراف الإقليمي والدولي.

والأهم من كل ذلك، أن مشروع الدولة في الجنوب يبدأ أولًا بترتيب البيت الجنوبي، وبناء شراكة حقيقية بين جميع المكوّنات، وصياغة عقد سياسي واضح يطمئن الداخل ويقنع الخارج.

وقبل هذا كله، لا بد من تنسيق جاد وموافقة صريحة من القوى الإقليمية المؤثرة، وفي مقدّمتها المملكة العربية السعودية.

من دون ذلك، قد يتحول الحلم المشروع إلى مغامرة خاسرة وغير قابلة للتحقق في المنظور القريب.


إعلان الدول لا يتم بالعاطفة ولا تحت ضغط اللحظة.

قيام الدول مسار سياسي وقانوني معقّد، يبدأ بتوافق داخلي واسع، ويستند إلى شرعية شعبية حقيقية، وإطار دستوري واضح، ومؤسسات فاعلة قادرة على إدارة الدولة، كما يحتاج إلى اعتراف إقليمي ودولي، وترتيبات أمنية واقتصادية قابلة للاستدامة.

أما القفز إلى إعلان سياسي دون استكمال هذه المتطلبات، فيحوّل الحلم إلى عبء، ويمنح الخصوم فرص الطعن والتشكيك بدل حشد الدعم والتأييد في الداخل والخارج.

فالدول لا تُعلن بالعاطفة، بل تُبنى بالعقل، والتدرّج، وحسن إدارة التوازنات، واحترام تعقيدات المرحلة الإقليمية والدولية.

أما الاكتفاء بخطاب يطمئن القيادات ويُسكن الشارع، فهو في حقيقته مناورة سياسية، أو خداع للذات قبل أن يكون خداعًا للناس، وراحة مؤقتة للمسؤولين على حساب استحقاق شعب يستحق الصدق لا الأوهام.


تحياتي… تعبت أنصح وأقول.

المرحلة تفرض تقديم الحكمة على الاندفاع، وبناء المستقبل بعقل الدولة لا بعاطفة الشارع، واحتواء غضب الناس لا توظيفه، وطمأنتهم لا الزجّ بهم في مسارات عالية الكلفة على الجميع.