فقدان القرار الوطني... الجذر الحقيقي لتعقد الأزمة اليمنية
لم تصل الأزمة اليمنية إلى هذا المستوى من التعقيد والانهيار بالصدفة، بل جاءت نتيجة مباشرة لفقدان الأطراف المتصارعة لقرارها الوطني، وتسليمها مركز القيادة لقوى خارجية، حولت اليمن إلى ساحة صراع مفتوحة ومسرح لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية.
فمنذ اللحظات الأولى للأزمة اليمنية، أعلنت قيادة الشرعية السابقة عجزها الصريح عن إدارة الدولة، وبدلاً من استعادة القرار من الداخل، اختارت الهروب إلى الخارج، وطلبت إخضاع اليمن للبند السابع، في سابقة خطيرة تعكس حجم التفريط بالسيادة الوطنية.
وبموجب ذلك، جُردت الدولة من صلاحياتها، ووضعت تحت وصاية دولية، تولى فيها مجلس الأمن ومن يكلفه إدارة الشأن السياسي، وتوجيه القرار، والتحكم بمصير اليمن، لتتحول الحكومة الشرعية إلى واجهة بلا سلطة، واسم بلا مضمون.
وفي الجهة الأخرى، لم يكن سلوك المليشيات الحوثية أقل خطورة، إذ سلمت الأرض والقرار والدم اليمني لقيادة الحرس الثوري الإيراني، الذي تولى إدارة الحرب، وتوجيه المليشيا، وتحويل المحافظات الخاضعة لها إلى أدوات لخدمة مشروع خارجي لا علاقة له بمصالح اليمن ولا كرامة شعبه.
وهكذا، فقدت اليمن سيادتها، وأصبح الوطن مقسماً بين وصاية دولية ووصاية إقليمية، وأصبحت الأطراف المتصارعة مسلوبة الإرادة، ولا تملك قرار الحرب أو السلام، بل تنفذ ما يملى عليها، فكانت النتيجة حرباً عبثية، ودماراً شاملاً، وانهياراً اقتصادياً، وكوارث إنسانية متراكمة، وانقساماً اجتماعياً خطيراً، وانفلاتاً أمنياً وفوضى لا نهاية لها.
وعلى مدى أحد عشر عاماً، غرقت البلاد في دوامة من الصراع والعداء والانقسام، وسط شعارات الحوار ووعود السلام، ومسلسلات المشاورات والمباحثات التي لم تُفض إلي حلول حقيقية، بل زادت الأزمة تعقيداً، ووسعت نفوذ المشاريع الخارجية.
أما الشعب اليمني، فكان ولا يزال الضحية الأولى، الذي يدفع ثمن التفريط بالسيادة جوعاً ونزوحاً وعذاباً وحرماناً وقهراً وانهياراً وغياباً للأمن والاستقرار.
إن التنازل عن السيادة، والتفريط بالقرار الوطني، والتخلي عن الإرادة المستقلة، لا يمكن تبريره تحت أي ذريعة سياسية أو أمنية، لأنه يعني عملياً خيانة الوطن، وإهدار حق الشعب في الدفاع عن أرضه، وصون كرامته، وتقرير مصيره بما يتناسب مع إرادتة وتطلعاتة المشروعة.
ولن تخرج اليمن من أزمتها، ما لم يُستعاد القرار الوطني من الخارج، وتُسقط الوصاية، ويُعاد الاعتبار لإرادة الشعب، بوصفها الطريق الوحيد لإنهاء الحرب وبناء دولة حقيقية لا تُدار بالريموت كنترول.


