ساحة اعتصام زنجبار: تفاعل الخطاب السياسي والإبداع الشعري

ساحة اعتصام زنجبار: تفاعل الخطاب السياسي والإبداع الشعري

أبين (أبين الآن) إعلام منسقية جامعة أبين

من على منصة ساحة اعتصام زنجبار، يشد انتباهك ذلك التنوع اللافت في المداخلات، وتعدد الطروحات، التي وإن اختلفت أساليبها وتباينت زوايا تناولها، فإنها التقت جميعا عند معنى واحد، وتعانقت في مسار واحد، لتعزف لحنا وطنيا واحدا عنوانه الاستقلال، والسيادة، والحرية.

فكل كلمة ألقيت، وكل موقف عبر عنه المتحدثون، جاء ليؤكد رسوخ هذا المطلب في وجدان الجماهير، ويجدد العهد على المضي نحوه بثبات لا يلين.

وللشعر في هذا المشهد حضوره الطاغي ونصيبه الوافر؛ إذ اعتلت المنصة قصائد تنبض بروح الحرية، وتفيض بمعاني الاستقلال، وتستحضر صور البطولة والفداء. وقد ترددت كلمات الشعراء على ألسنتهم بحرارة صادقة، لتلامس القلوب قبل الآذان، وتتلاقى مع تفاعل الجمهور وحماسه، فتتشكل بذلك لوحة وطنية فريدة، امتزج فيها الصوت بالشعور، والكلمة بالموقف، في مشهد جسد وحدة الهدف، وصدق الانتماء، وعمق الإيمان بعدالة القضية.

لقد أسهم الشعراء، بقصائدهم المتميزة التي أشعلت حماس الجماهير في ساحات الاعتصام، إسهاما فاعلا في خلق مساحة ثقافية وفنية باذخة، تجاوزت حدود الفعل الاحتجاجي إلى خلق فضاء أدبي وثقافي رحب. فقد تحولت الساحة، بفضل هذه الإسهامات الشعرية، إلى منتدى مفتوح تتلاقى فيه الكلمة بالموقف، ويتجاور فيه الإبداع مع التعبير الوطني، في مشهد جسّد حضور الثقافة بوصفها رافدا أساسيا من روافد الوعي، وأداة مؤثرة في تعزيز الروح الوطنية وترسيخ معاني الحرية والاستقلال في وجدان الجماهير.

وهي إلى حد كبير، تذكرنا بالساحات العامة التي كان يقصدها شعراء العربية في عصورها الزاهية، حيث لم تكن القصيدة مجرد قول عابر، بل فعلا حيا نابضا في قلب المجتمع، ومنبرا للتعبير عن قضاياه الكبرى وهمومه المصيرية. حقا لقد أسهم أولئك الشعراء في إثراء الفضاء العام، وجعلوا من الساحات ملتقى للفكر والوجدان، ومن القصيدة أداة وعي وتعبئة، تؤدي دورها في توجيه الرأي العام، وشحذ الهمم، وترسيخ القيم الكبرى في الذاكرة الجمعية. وعلى هذا النحو، أعادت ساحة اعتصام زنجبار إحياء ذلك الدور العريق للكلمة الشعرية، بوصفها شريكا أصيلا في صناعة الموقف الوطني، وجزءا لا يتجزأ من معركة الوعي والهوية.

فالزائر لساحة الاعتصام لن يخرج خالي الوفاض؛ إذ يجد فيها ما يثري فكره ويحرك وجدانه، فإما أن يتزود بخطاب سياسي واعٍ يلامس جوهر القضية ويكشف أبعادها، أو ينهل من رائعة شعرية مميزة ينشدها مبدع. وهكذا تتكامل الكلمة السياسية مع القصيدة الشعرية في مشهد واحد، ليغدو الحضور في الساحة تجربة ثقافية ووطنية متكاملة، تجمع بين الوعي والتأثير، وبين الموقف والإبداع.

وقد استمتعنا اليوم بقصائد لعدد من الشعراء، الذين خلقوا حالة وجدانية خاصة، امتزج فيها الحماس بالعاطفة، وتوحدت فيها مشاعر الجماهير مع نبض القصيدة.