علي شيخ الدوبلي

*كتب: أبو زين ناصر الوليدي*

قبل قرابة ثلاثين سنة، وكنت حينها طالبا في جامعة صنعاء، وفي حي الجراف شمال صنعاء كان لي عدد من الأقارب الذين أزورهم بين الفينة والأخرى، فإذا ما مررت بالشوارع والطرق المؤدية إليهم كان يستوقفني مشهد لعدد كبير من الناس والسيارات والداخلين والخارجين والمتكئين خارج البيت وفي ظله وحواليه حتى ظننت أن هذا البيت الذي يحيط به الناس من كل جوانبه أما مؤخرة لواء عسكري أو مؤسسة حكومية، ثم بعد مدة من ظني ذاك، سألت بعض أقاربي عن هذا البيت الذي يشبه خلية النحل، وعن هذا الزحام حوله بينما هناك الكثير من البيوت الضخمة التي حوله مسكرة الأبواب فقيل لي : هذا بيت علي شيخ الدوبلي البطاني.

فقلت : ولماذا هذا الزحام ؟

قالوا: الرجل سيد وكريم ومعطاء وسخي وكبير النفس ولهذا يتقاطر إلى بيته الصغير والكبير والقريب والغريب حتى أن هناك من يقيم في ديوانه من الطلاب والمرضى والمتابعين ويتلقون في بيته كل ما يحتاجون إليه إلى آخر ما قيل لي .

فكنت بعدها كلما مررت بجانب بيته وقفت أتأمل المشهد بكل جوانبه، هناك شخص في جوف هذا البيت جعل من هذا البيت مزارا ومؤئلا وقبله لذوي الحاجات ومنتدى للقاء الأصدقاء، وحول هذا البيت فلل كبيرة لا تكاد تسمع لها همسا، فكانت عيني تنظر إلى بيته والبيوت حوله فأتذكر قول الشاعر:

ما لي أرى أبوابهم مهجورة

وكأنَّ بابك مجمع الأسواق

حابوك أم هابوك أم شاموا الندى

 بيديك فاجتمعوا من الآفاق

إني رأيتك للمكارم عاشقًا

والمكرمات قليلة العشاق

ورغم حرصي الشديد على رؤية وجه هذا الجواد الحاتمي إلا أني لم أتمكن من ذلك لصغر سني وقلة زياراتي للمكان وتهيبي من الرجل وممن حوله من الكبراء والجلاس.

تخرجت من الجامعة وشققت طريق حياتي، ونسبت معظم حوادث تلك المرحلة بما فيها بيت علي شيخ، ولا أدري ما صنع الله بهذا الرجل وكيف صارت أحواله، حتى كاد أن يمحى من ذاكرتي، حتى سمعت هذه الأيام أن والده مات رحمه الله و أطلعت على التعازي هنا وهناك، وبدأت ذاكرتي تستعيد تلك المشاهد حول بيت علي شيخ البطاني وكأنها صور حية متحركة نابضة وفي قلب هذا المشهد يظهر علي شيخ مبتسما واثقاً يقطر جودا وكرما كأنه شلال ماء تنبت حوله الأزهار.

إن كان الرجل على قيد الحياة فبلغوه سلامي الكثير وأبلغوه خالص التعازي في وفاة أبيه، وإن كان قد غادر دنيانا إلى جوار ربه فإن فعاله حية تنبض بالحياة شاهدة على رجل عظيم مر من هنا ولكن لم يغفل عنه الزمن لأنه ترك بصماته في وجه التاربخ كما ترك أجداده اليمانيون نقوشهم المسندية في صخور وجبال وكهوف اليمن.