ماذا تعني الحيوية الثقافية والحضارية ؟
تعد الحيوية الثقافية الحضارية من أبرز المعايير المعاصرة لقياس القدرة على التقدم المتواصل، وحتى وقت قريب كانت الأقطار العربية على وجه العموم تتميز بالقيم الثقافية الإيجابية بما فيها التسامح وعمق مشاعر الخير وكراهية العنف والترابط الأسري والتدين السامي والتكافل والتلاحم الاجتماعي، بيد أن هذه القيم تعرضت في الربع الأخير من القرن العشرين لنوع من الخلخلة العنيفة التي أثرت سلبا على التلاحم الاجتماعي التقليدي والتسامح الديني والثقافي وتماسك النسيج الاجتماعي في انتشار مظاهر الفتنة الطائفية والتعصب والجمود والتطرف الديني والثقافي مما أسهم في إضعاف المناعة الذاتية والاستقرار الاجتماعي في الداخل ومن السمعة والمكانة في الخارج وبالطبع إضعاف الإرادة على تحقيق التقدم إلى جانب جمود التطور السياسي وتغول النظم السلطوية العربية الحاكمة على المجتمع، هذا فضلا عن أن الأقطار العربية لم تعترف حتى الآن بأن العلم والتكنولوجيا عنصران أساسيان من عناصر الثقافة، ومايزال الواقع الثقافي العربي الراهن يعيش حالة من الثنائية بين التقليدي والعصري حيث تجري تقليد الحداثة الغربية بشكل استهلاكي محض وفي الوقت نفسه توجد مرجعية عربية إسلامية من القرون الوسطى تحكم رؤية العرب للعالم مما أضعف الاستقلال الثقافي إزاء موجات الاختراق الثقافي.
ففي مجال التعليم مثلا يذكر تقرير تعليم الأمة العربية في القرن الحادي والعشرين "الكارثة والأمل" والصادر عن منتدى الفكر العربي، عمان، 1991 أن نمط التعليم والتربية العربية أدى دورا مدمرا في الحياة العربية في القرن العشرين ضد التحضير والتنوير ومن ذلك تكريس العزلة الحضارية وقهر العقلانية وإبعادها عن ساحة التعامل مع مشاكل الحياة ومع النفس وكذلك تقليص قيمة الإنسان العربي.