الأمن المائي الخليجي
يقول المولى عز وجلّ: "فَٱلْتَقَى ٱلْمَآءُ عَلَىٰٓ أَمْرٍۢ قَدْ قُدِرَ" (القمر: 12)..
لقد قضى الله بوجود الماء على الأرض بكميات مُقدرة وموزعة بسياسة وحكمة من الله، لذا لا يوجد خلل في المورد المائي، إنما هي حكمة من الله تعالى أن يتقاسم الناس المورد المائي موزعاً بنسب غير متساوية على هذه الأرض.
قضية المياه صارت هاجسًا يُؤرق الدول، التي باتت تسعى لتعظيم إنتاجيتها والحصول على الكمية الأوفر من حصة الماء، وهذا ما يتسابق عليه العالم اليوم، متناسين أو متغافلين الحكمة الإلهية ومفاهيم الاستدامة التي تدعو لها الأمم المتحدة من خلال أهداف التنمية المستدامة التي أقرتها في عام 2015 في وثيقة تضم 17 هدفًا عالميًا و230 مؤشرًا، ومن هنا انطلقت استراتيجيات الدول لتنسج خططها ضمن تحقيق الاهداف.
دول الخليج العربي والتي تقع ضمن النطاق الصحراوي الجاف، هذا الموقع الذي فرض عليها الندرة في الأمطار، وهي دول متنامية اقتصاديا؛ حيث يصل نصيب الفرد من المياه العذبة في هذه الدول إلى 500 لتر في السنة، فكانت لقضية ندرة ومحدودية المياه تأثير في استراتيجتها وسياساتها المائية التي وضعتها لتغطي تزايد الطلب على الماء وتُكمل مسيرة التقدم والتطور الحضري والاقتصادي المستدام؛ تماشيًا مع أهداف التنمية المستدامة.
ومن ضمن هذه الأهداف: الهدف السادس الذي يُعنى بخدمات الصرف الصحي، هذا الهدف في دول غنية كدول الخليج تم تصنيف تحقيقه في هذه الدول ضمن الأعلى جودة بالعالم؛ حيث خرجت بنتائج 100% في سبيل توفير خدمة الصرف الصحي. وكذلك السياسات المرتبطة بالمورد المائي في دول الخليج، وتخطيط استراتيجية مشتركة بين الدول ذات الموارد المائية المشتركة، رغم أن موردها الطبيعي هو مورد عابر للحدود، تشترك به عدة دول. من هنا تبرز الحنكة في الإدارة والسياسة الدولية، التي تساعد الحكومات في تأمين مواردها البيئية دون الحاجة إلى تعطيل علاقاتها الخارجية بين الدول المتجاورة. وقد شهدنا بعض المبادرات الحكومية لسياسة حفظ المياه الجوفية مثل مشاريع إقامة السدود، وإعادة تدوير المياه، والاستمطار لكل دولة على حدة، دون وجود سياسة شاملة لدول الخليج، رغم أنها منطقة واحدة مرتبطة بمورد مائي جوفي مشترك يتأثر بزيادة الطلب على المياه من موقع لآخر.
منطقة الخليج حاليًا تعتمد على مياه التحلية كفرصة بديلة لتعويض التدهور الناتج من تداخل المياه المالحة مع المياه الجوفية؛ مما أدى إلى خفض درجة جودة هذا المورد الطبيعي فكان تصنيع المياه المُحلاة، هو الحل البديل في توفير المياه لأغراض الشرب والاستخدام المنزلي والتجاري والصناعي، حتى أصبحت التحلية من أهم المنشآت لتوفير موارد المياه العذبة بسبب نمو الاحتياجات المائية، مقابل نُدرة موارد المياه الطبيعية المتمثلة في المياه الجوفية والزيادة السكانية. ومن المتوقع أن ترتفع الاحتياجات المائية في المستقبل، لذا نحن بحاجة إلى استراتيجية لحفظ الأمن المائي على مستوى الخليج، والأخذ في الاعتبار التنمية الاقتصادية والاجتماعية وفاعلية الاستدامة في هذه الاستراتيجية.
أما النظام المؤسسي في دول الخليج والمسؤول الحالي عن الموارد المائية، نأمل منه أن يُفعِّل سياساته بجودة عالية، غير أن تشعُّب المهام وتداخلها مع قطاعات مختلفة، تسبب في أن تكون كل مؤسسة في معزلٍ عن الأخرى.
السياسة المُتّبعة حاليًا في غياب عن التكامل والشمولية لإدارة المورد المائي الخليجي، لا بُد من إعادة النظر فيها؛ حيث إن المنطقة الخليجية منطقة واحدة يجب أن تتعاون لتحقيق التوازن المائي وحفظ هذا المورد الطبيعي من أي مصدر يُسبب تدهوره أو تقليصه أو يُحدث عجزًا في الكمية والنوعية للموارد المائية المشتركة.
واستدامة المورد المائي، قضية أساسية لدول المناخ الصحراوي الجاف، وأي تفاقم في تدهور هذا المورد المائي، يُعرِّضُنا إلى تكاليف اقتصادية وصحية باهظة، نحن في غنى عنها، ولذا فإن تحقيق الاستدامة الخليجية للموارد المائية يساعد على استيعاب الطلب المستقبلي على المياه، ويُحقق الأمن المائي والأمان المعيشي للإنسان ويُعزز العلاقات الإقليمية المترابطة.
وأخيرًا.. نضع بين قوسين شأنًا ذا أهمية للتعامل مع السياسات المائية، ألّا وهو المخطط الشمولي لمنطقة الخليج للموارد المائية المشتركة، يضم كافة ملفات المياه، من مياه جوفية ومياه تحلية ومياه صرف صحي، ولا شك أن تكامل سياسة المورد المائي يخلق لنا حلولًا متكاملة لتعزيز الأمن المائي الخليجي.
** خبيرة في البيئة والاستدامة بدولة الإمارات